قمة النجاح أن تترك المكان وكل من فيه يسأل عنك ويترجّاك أن تعود.. ترى ما هو سر الاحترام الكبير الذي يتعامل به البسطاء من أهل بلادي مع اسم الأستاذة أميرة الفاضل وزيرة الرعاية والضمان الاجتماعي (المستقيلة). قدر السودانيين ألاّ يستمر الناجحون في مواقعهم.. وأن يتوارى المُتميِّزون خلف زحام الظروف التي بعضها خاص وجلها لأسباب يعلمها الله وأميرة الفاضل. كنت في زيارة لولاية البحر الأحمر مرافقاً للدكتور جلال الدقير مساعد رئيس الجمهورية - سأكتب عنها لاحقاً لأنّها كانت مَوّارَة بالعطاء الاجتماعي - وما أن يذكر اسم أميرة إلا وتنطلق الزغاريد وتملأ أصوات التكبير والتهليل المكان. لو كانت تعلم أميرة كل هذا الحب لرحمتنا من هذه الاستقالة التي سيدفع ثمنها الفقراء والمساكين والمحتاجون من أبناء الشعب السوداني الذين نصبوها أمّاً للفقراء وملاذاً للمُعدمين وملجأً للمحرومين. من الصعب أن تكون مسؤولاً ومحبوباً في هذا الزمن - أميرة الفاضل حازت على الصفتين في آن واحد - ليس من باب المجاملة ولا الإطراء غير المستند على الأرقام والحقائق. قلت في مقال سابق عن أميرة حينما تقدّمت باستقالتها قبل الأخيرة إنّ الإنقاذ وفي مسيرتها المحفوفة بالمخاطر والتحديات تحتاج إلى وزراء متفانين وصادقين، يلامسون بإنجازاتهم هموم المواطن، ويخاطبون أحلام الشارع بأفعال عظيمة تجعل لسيرتهم وقعاً خالداً في أفئدة الناس. وذكرت حينها أن طلب استقالتها جاء في مرحلة تعول فيها الدولة كثيراً على إنجاح برامج الدعم الاجتماعي.. فالتداعيات الخطيرة المتوقعة لسياسة التقشف جعلت من الضمان الاجتماعي هو الملاذ الوحيد للوطن والمواطن من وطأة السوق والجوع والمسغبة والمصائر والمآلات المجهولة. أميرة نالت (دِربَة) عالية في وزارة الضمان الاجتماعي وهي القادمة إليها من قلب البرامج الاجتماعية ذات الصلة بحركة المجتمع وحياة الناس. وأيّما تغيير في الوزارة سيكون خصماً على أداء الحكومة في محور الضمان الاجتماعي الذي تعول عليه الدولة كثيراً، وإن توافرت في القادمة الجديدة صفات أميرة في (النزاهة والشطارة) والتجرد والإلمام بتفاصيل المشهد الاجتماعي العام. من حق أميرة علينا أن نشكرها وهي تغادر.. ونذكر بأنّها الوزيرة التي تنازلت كتابةً عن استحقاقاتها المالية نظير رئاستها لمجالس إدارات المؤسسات التابعة لوزارتها وما أكثرها وأشهاها.. وكان بالإمكان أن تجمع ثورة طائلة من (حوافز الاجتماعات المليونية).. وهي الوزيرة التي نأت عن إدارة مال الوزارة وفوّضت هذا الأمر إلى من دونها، واكتفت بالإشراف من على البُعد. ومن حق أميرة علينا أن نشيد بتطويرها لصناديق الضمان الاجتماعي، والتوسع في تعزيز كسب المعاشيين الذي تضاعف بنسبة (100%) منذ توليها الوزارة. نتمنى أن تزول الظروف التي دعتها إلى تقديم الاستقالة.. ونسأل الله أن يجعل كل ما قدّمته في ميزان حسناتها وأن ينفع به والدتها المريضة التي نتمنى لها شفاءً عاجلاً. على مؤسسات الدولة دراسة شخصية أميرة جيداً والاحتفاء بهذا النموذج قبل أن تدفع بخليفتها إلى الوزارة.. ستجد الحكومة صعوبة كبيرة في إيجاد بديل بمواصفات أميرة الفاضل يجعل كل شئ (تمام) في وزارة الضمان الاجتماعي.