تتلظى حروفي من سعير الطرقات التي تراهن على سلامة فلذات أكبادنا...فالقصة تسكب على الورق بحبر مشاكس استعار من الحزن كؤوسا لا تنضب...ووقف شاهد عيان على طفل السابعة ذي النظرات التائهة والابتسامة الباردة الساكنة واللا مبالاة التي ترسم ملامحه...تشكو معلمته ضعف تحصيله الدراسي، وسعيه لإرضاء زملائه بالصف فيتولى دور المهرج تارة، ودور المحامي عن الجميع تارة أخرى، يقع في المشكلات بعبثه بأغراض غيره ومحاولة إتلافها. هو الطفل الأوسط لأم وأب طبيبين مغتربين، ينحصر دورهما في إنجاب الأطفال، وإلقاء واجب رعايتهم وتربيتهم على عاتق جدتهم وعمتهم، ثم يعودون في كل عام مرة واحدة محملين بالهدايا والألعاب والابتسامات الباهتة، والأحضان الشكلية الخالية من العواطف والشعور الدافئ...ولأن طفل السابعة تختلف شخصيته عن إخوته، فقد تأثر بهذا الاهمال الذي أحدث انكسارا تشرنق في وريده محدثا تصدعا في بنائه النفسي، وأصبح ينتهج سلوكيات يقاوم بها الإحساس بفقدان الأمان المتمثل بغياب الأم والأب عنه رغم أنهما على قيد الحياة. لقد ظهرت في مجتمعنا مشكلة الاهمال الأسري فلم تعد تقتصر على الأسر المفككة والتي تحدث فيها حالات الطلاق والخصام بين الأبوين، بل إنها امتدت لتشمل أسرا مثقفة ومتعلمة، ربها يعمل في الدعوة أو في التدريس أو رجل أعمال يشغله عمله عن رعاية أبنائه والاهتمام بهم، وينطبق الكلام على الأم التي تنشغل بعملها أو بمهام أخرى ثانوية لكنها تقدمها على رعاية أبنائها والاهتمام بهم، وتحول هذا الإهمال إلى مشكلة تهدد النمو الطبيعي والاستقرار العاطفي للأبناء الذين يتعرضون له، وربما تعصف بمستقبلهم إن جنحوا عن الطريق القويم في رحلة بحثهم عمن يحتويهم، ولقد تغيرت معطيات الحياة حاليا، فالتربية الجماعية في نطاق الأسرة الممتدة والدور الذي يقوم به الجد والجدة سابقا، أصبح الآن لا يتوافق مع اخطبوط العولمة، الذي يتطلب وجود آباء وأمهات مدركين لدورهم العظيم نحو غرسهم، وأنهم مساءلون عنه أمام الخالق، فالمسؤولية تتجاوز الأكل والشرب إلى التربية والتثقيف وإحاطتهم بالعطف والحنان وتهيئتهم لزمان غير زماننا. وما زالت المشكلة إلى الآن ليست ظاهرة، ولم تطف على السطح بعد، وإذا طفت فربما أحدثت مشاكل أكبر قد تؤدي إلى زعزعة المجتمع وفكره، خاصة في الوضع الحياتي الحالي الذي انعدمت فيه مقومات الحوار بين أولياء الأمور وأبنائهم، وتحول الحوار إلى نوع من العقوق من جانب الأبناء من جهة، ومن الغلظة والشدة المنفرة من جهة الآباء، مما سبب تمرد الأبناء على أولياء أمورهم واستسلم الآباء والأمهات للوضع الراهن، وهذه خطوة للوراء في تشكيل أسرة سليمة تكون حضنا ايجابيا لتربية وتنشئة الأبناء.