عادت قضية أبيي للاضواء مجددا بعد خفوت ربما مقصود، في أعقاب ما طرحه الرئيسان البشير و سلفا كير عن استغلال عامل الزمن ايجابياً في حلها بمعية الحدود، ودعوة بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة للبشير وسلفا كير لحسم قضية أبيي وتسوية الخلافات المتعلقة بالوضع النهائي.. الشارع الخرطومي تفاجأ بتعكير صفو الملف داخلياً في وقت بدا فيه أن الصراع عليه خارجياً ستحله الحكمة.. داخليا عصفت الخلافات بين تيارات المسيرية، وطالبت مجموعة من قيادات المنطقة بإقالة رئيس ملف أبيي من جانب السودان الخير الفهيم، على خلفية اتهامه بالفشل في تلبية طموحاتها في إدارة الملف، رافضة تنفيذ أي اتفاق بالمنطقة، ونقلت تقارير اعلامية عن محمد خاطر جمعة رئيس الاتحاد العام للمسيرية في مؤتمر صحفي بالخرطوم أمس الاول، تحميله الخير الفهيم مسؤولية عدم وصول المساعدات الإنسانية لإنسان أبيي، كاشفاً عن توظيف الفهيم لأموال الدولة لأبيي لغير صالح المنطقة، وقال: (الدولة لم تخفق في عطائها المالي لأبيي، لكن الفهيم لم يوظفه في المنطقة ولم يصرف منه شيئاً) وطالب خاطر الدولة بضرورة تعيين شخصية ملمة بأبعاد قضية أبيي. مراقبون، اعتبروا أن الخلافات الداخلية في الملف ربما تذهب بوحدة الموقف المسيري ،و تشتيت جهود تجاوز الاستفتاء المنصوص عليه في نيفاشا لصالح جوبا التي وافقت مؤخراً على الالتزام بتنفيذ ما تم التوقيع عليه في سبتمبر من العام الماضي. فيما يرى آخرون أن بوادر الانفراج في ملف ابيي غير مرتبطة البتة بمجموعة العوامل والمتغيرات في الشأن التفاوضي بين السودان وجنوب السودان إذ أنه بدأ منذ وقت سابق للزيارة، حينما فاجأت جوبا الاوساط السياسية السودانية باعلانها قبول رئاسة المسيرية للمجلس التشريعي بأبيي، ونقلت حينها تقارير اعلامية عن الرئيس سلفا توجيهاته بتنفيذ الاتفاقية الخاصة بتكوين ادارية ابيي تؤول فيها رئاسة السلطة التنفيذية أي رئاسة الادارية لدينكا أنقوك، على أن تتسلم المسيرية رئاسة المجلس التشريعي ترشحه الرئاسة السودانية، ليكتنف الساحة الخرطومية جدل كثيف حول الموافقة المباغتة للامر في اعقاب رفض استمر طويلاً منذ 20 يونيو 2011م تاريخ توقيع الاتفاق بين العاصمتين آنذاك، وتمسكت جوبا بضرورة اختيار الخرطوم لأحد أبناء دينكا أنقوك في المؤتمر الوطني كرئيس للمجلس وهو ما تحفظت عليه المسيرية ورفضته الخرطوم وقتها.. المشهد المحتقن بابيي رفض الكثيرون من قيادات المسيرية التعليق عليه ، وأعتبروا أن زيارة الرئيس البشير لجوبا في هذا التوقيت منحت الملف زخماً وأعادته لواجهة الأحداث ، وأعتبر رحمة عبد الرحمن النور نائب معتمد أبيي نائب رئيس الادارية سابقاً في حديثه ل(الرأي العام)، أن ملف ابيي يعوزه حسن النية على مستوى التعامل مع الجنوب ، وقال(الاتفاقية منذ توقيعها من اليوم الاول اذا كان تنفيذها تم بحسن نية من قبل الجنوب لحلت القضية ، فنحن أبدينا حسن النية، لكن الجنوب لم يلتزم ، وبدون ذلك فإن ما يحدث سيعكر صفو العلاقات ودولة الجنوب لن تحتمل لأنها هشة). وأضاف : (زيارة الرئيس البشير لجوبا أكدت حرص السودان على السلام واحتفائه به ، و أنه إذا تم الاتفاق بالاتفاقات لن تكون هناك مشكلة). على مستوى التعامل الخارجي مع دولة الجنوب حول ملف أبيي ، كشف الرجل عن استراتيجيات جديدة لجوبا، متوقعاً الوصول لحل مرضٍ بسبب اقالة بعض الجنرالات الرافضين لأية تسوية مع الخرطوم ، واضاف (باضافة لتوقعاتنا حيال المرونة المطلوبة وان يكون المسيرية بكل بطونها جزءاً من الاستفتاء) أقر رحمة بموافقة المسيرية من حيث المبدأ على حل التقسيم، لكنه استدرك: (تحديد خطوط التقسيم موضوع آخر لم نناقشه وان كان جنوب بحر العرب هو المرجح للمسيرية). ملف ابيي أخطر الملفات و التحديات التي تواجه عملية السلام السودانية / الجنوبية ، بدا ملفاً أكثر يسراً بين يدي الخير الفهيم ممثل السودان في اللجنة الاشرافية العليا، وكشف في وقت سابق عن تفاهمات مع ممثلي الحكومة الامريكية تلخصت في ضرورة مشاركة رعاة المسيرية خصوصاً وأنهم يقيمون (8) أشهر بالمنطقة و(4) أشهر خارجها حفاظاً على الرعاية الصحية والبيطرية والاهتمام بمواشيهم، وجدد الفهيم في وقت سابق التزام الخرطوم بقيام الاستفتاء وفقاً لبروتوكول المنطقة الموقع في نيفاشا ودستور السودان. فيما أعتبرت جبهة تحرير ابيي برئاسة محمد عمر الأنصاري في حديثه ل(الرأي العام) أن السياسة لن تدع الامور تمر بسلام وفسر موافقة جوبا السابقة في حقيقتها بأنها تأتي ضمن قسمة غير منطقية .. فالمجلس مقسم على أن يكون 12 عضواً من دينكا أنقوك في مقابل 8 من المسيرية ، على أن يكون الرئيس من المسيرية، وهو أمر غير مقبول. من جانبه وصف القيادي بالمسيرية محمد عبد الله ود ابوك موافقة جوبا ومرونة موقفها في آخر محطات التفاوض ب (شرك أو طعم) لاصطياد الحكومة وقال ل(الرأي العام) إن الحركة من الواضح أنها تقرأ نفسية الحكومة ومفاوضها والمشرفين على الملف، خصوصاً وانها تتعاقد مع مستشارين على أعلى درجات الكفاءة، لتستغل مقترح امبيكي المنحاز بالأصل للجنوب. ورفض ود ابوك المراهنة على الحكومة في انتزاع حقوق المسيرية وقال: (الحكومة هي التي فرطت في ابيي ، بعد أن سمحت بعزل ابيي عن بقية الملفات، في حين أن الموقف يقتضي عدم التوصل لأي اتفاق قبل حسم ابيي لأنها القضية الأعقد). واضاف: (الحكومة اذا كان لديها استطاعة لما تركت الوساطة تقدم المقترحات). وتابع إن ذكاء الحركة تمثل في رفضها طيلة الفترة الماضية للخطوة وقبولها الآن لجر الحكومة لقبول المعركة سواء في توقيت الاستفتاء أو في عدم تعريف ماهية الناخب والاكتفاء حتى الآن بتعريف الجنوب لمن يحق له التصويت. وتوقع ود ابوك اللجوء لأسلوب (العصا والجزرة) لجهة أن الجميع متمسك بموقفه حال لم يستفد الجميع من الأجواء الايجابية الحالية، وان قضية المسيرية ليست في مجرد رئاسة المجلس التشريعي بل في الوضع النهائي لأبيي .. محللون يرون أن الجنوب نجح في احراج المسيرية والخير الفهيم تحديداً بموافقته على منحهم رئاسة المجلس التشريعي ، وكشفت مصادر مقربة من الملف ل(الرأي العام ) أمس مطالبة الجنوب بمنح الجنوبيين المقربين من الخرطوم- حصلوا على جنسية مزدوجة- نسبتهم في المجلس التشريعي، وأن جوبا تستطيع الالتفاف عليهم ضمن مخطط متكامل يمكن أن يدعم خط الاستفتاء لصالح الجنوب، وهو الأمر الذي رفضه الفهيم لجوبا.. المصادر اعتبرت أن نقل الصراع داخل المسيرية انتصاراً لجوبا بالمطالبة بإقالة الفهيم ، وأقرت في حديثها للصحيفة أن الفهيم طيلة اشرافه على الملف لم يزر المنطقة لشرح الموقف وقالت :(هناك تيار يدعم عودة الدرديري للملف باعتباره كفاءة ، بالاضافة لقدراته على مواجهة المجتمع الدولي بحكم تخصصه القانوني). عموماً.. تظل أبيي على ضوء حديث الأطراف إحدى أخطر القضايا التي تواجه العاصمتين الملتهبتين بالاصل الخرطوموجوبا، كما أن لقضيتها إمكانية إحالة كل ما تحقق طيلة الفترة الماضية من اتفاقات الى هشيم تذروه الرياح.