«ليس الاقتصاد حفظ المال، بل إنفاقه بحكمة» .. توماس هنري هكسلي ! مقايضة البناطيل والقمصان القديمة بأطقم الحلل والصواني والترامس .. إلخ..، تجارة رائجة بين ربات البيوت وباعتها الجائلين، شهدت ازدهاراً عظيماً، قبل أن تدخلها العملة من أبواب التقسيط المريح .. تلك الصفقات كانت وقوداً لشجارات زوجية «ياما» كانت تندلع في أرقى العائلات، حينما يفجع الزوج بفقد قميص عزيز أو جلابية حل مكانها «جك» أو إبريق شاي! .. أما اليوم، فمن يدري .. قد يكون ترقيع ميزانية الأسرة السودانية الفقيرة - على طريقة صفقات «العدة تلك - جزءاً من الحل ..! عندما وقف اليونانيون على شفير الإفلاس، ابتكرت بعض قطاعات الشعب طرقاً جديدة للبيع والشراء لم تكن معروفة قبل وقوع الأزمة المالية، وأصبحت هنالك أسواق مرتجلة في الشوارع يشتري منها أي شخص عاطل عن العمل، احتياجات البيت الأساسية، حتى وإن كان لا يحمل في جيبه فلساً واحداً، يكفي أن يصلح الكهربائي ثلاجة، أو أن يقوم السباك بتغيير ماسورة مكسورة، أو أن يعطي الخريج الجامعي العاطل بعض الدروس الخصوصية، مقابل احتياجات أسرته من الطعام والشراب ..! وبعد أن حققت تجارة مقايضة السلع والخدمات نجاحاً لافتاً، أقر البرلمان اليوناني - بمؤازرة من وزارة العمل ? قانوناً يدعم الشبكات التي تقوم على مقايضة الخدمات والسلع، ويوفر لها التسهيلات اللازمة باعتبارها منظمات غير ربحية ..! إذاً، وعوضاً عن التسول الرسمي لإنقاذ العملة والتسول الشعبي لسد الرمق اقترح أن تعقد الحكومة مؤتمراً جامعاً لربات المنازل المتخصصات في «تبديل الهوية» والباعة الجائلين المختصين بهذا النوع من التجارة، للتفاكر حول آليات تفعيل التجربة وتعميمها، والاستفادة من علومهم الغزيرة في مجال المقايضة والمفاصلة، وخبراتهم الكبيرة في تقدير وتقييم السلع في الصفقات التي لا تشترط وجود العملة .. ثم أن تعمل الحكومة بعد نجاح التجربة، على إصدار قانون «تشجيع الاستثمار في السلع والخدمات البديلة» ..! وحتى لا يتحسس كبرياء بعض قطاعات الشعب من هذه الفكرة نؤكد لهم أن العالم كله موعود برواج سوق مقايضة السلع والخدمات، لكنها الآن ما تزال في مرحلة التجريب في بعض المناطق، حيث يتبادل الناس سلعة مقابل أخرى بنفس القيمة، في عمليات تجارية ضخمة رغم خلوها من صداع الحسابات المالية المصرفية وأوجاع الدفع النقدي ..! الآخرون يعتمدون - فقط - على الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة، فيستخدمون مواقع الانترنت للعرض والطلب .. لكننا وبحكم «خصوصية طابعنا الاجتماعي»، نملك ساحات بديلة لعرض السلعة/ أو الخدمة مقابل الغذاء، من «لمَّات» أرباب البيوت المتقاعدين في ضل الضحى .. إلى تجمعات الشباب العاطلين بجوار ستات الشاي .. إلى «قعدات الجبَنة» ورمي الودع «إياها» ..! أما بخصوص «طوابعنا» الأخرى فخذ عندك: سياستنا الاقتصادية هي أن تودع شيكاً بلا رصيد في خزانة «زيد» الذي يتحكَّم بك، بضمان مائدة طعام «عبيد» الذي تحكُمه أنت .. ومؤشراتنا الاقتصادية هي حاصل فرز العلاقة العكسية بين ارتفاع أعداد المجانين الذين يعتلون «صواني الحركة»، وانخفاض أعداد الأسر التي تملك ما تجتمع لأجله على «صواني الطعام» .. وهو - كما ترى - سوق مثالي جداً لرواج تجارة «السلعة مقابل السلعة» ..!