يبدو أن (قُلوب) نواب البرلمان مُحتشدة هذه الأيام بغضب جم تجاه الصحافة والصحفيين، وكان جلهم يحمل في باحة البرلمان خلال اليومين الماضيين نسخة مطبوعة لعمود في أخيرة صحيفة «آخر لحظة» ممهور بتوقيع رئيس تحريرها مصطفى أبو العزائم.. كل الحديث يدور هناك عن إساءة بالغة تحملها هذه القصاصة الصغيرة وهي تصف نواب البرلمان بأوصاف عديدة كالغوغاء والأراذل وغيرها. واشتاط الغضب الى حد حمل النواب نحو تحريك إجراءات قضائية ضد الكاتب حتى إنّ بعضهم هدد (بضرب) الكاتب وهو يرى أن (الضرب) وسيلة للرد على الإساءة الشخصية، إلا أن الآراء اتجهت ناحية الإجراءات القانونية باعتبار البرلمان مؤسسة كبيرة ولا يليق بالنائب ان يتصرف على نحو ما ذكره (عضو) بعينه حين قال: (إذا رأيت هذا الرجل سأضربه)، وهو يبرر بأنّ محاولة الكاتب زعزعة الثقة بين النواب والشعب جديرة بتصرف كهذا، وانهم كنواب يجلسون على كرسي النيابة من أجل الشعب. ظلت الحكومة من وقت لآخر، تدعو الأحزاب السياسية لحوار وطني جامع يسهم في حل القضايا محل الخلاف والاختلاف بينها وبين المعارضة، لتحقيق السلام والاستقرار في ولايات البلاد كافة، وانعقدت الكثير من المنابر التي تبحث إمكانية تحقيق هذا الحوار الذي استعصى الاتفاق حوله على المهتمين كافة، ولإكمال مسيرة الحوار بشأن (الحوار) نظم المركز القومي للانتاج الاعلامي أمس، ندوة سياسية بمركز الشهيد الزبير محمد صالح للمؤتمرات حول (الحوار الوطني.. الفرص والتحديات)، بهدف معرفة المتطلبات التي ينبغي توافرها لتجاوز التحديات كافة التي تعيق مسيرة الحوار، خاصة في ظل الظروف والنزاعات والاعتداءات التي تمر بها بعض المناطق. حينما قطعت الترتيبات شوطاً مقدراً في الإجراءات القانونية، اصطدمت برئيس البرلمان مولانا أحمد إبراهيم الطاهر، الذي صد هجوم النواب على الكاتب الصحفي ورفض تحريك أية إجراءات قانونية ضده، ورفض زَج المجلس الوطني في إجراءات كهذه، غير أنّ بعض النواب يرون السير في الإجراءات من زاوية أخرى شخصية، بعد أن رفض الطاهر تحريكها باسم البرلمان. رفض الطاهر لم يجد القبول من بعض الذين ظلوا يرددون عبارات الكاتب (الأراذل والغوغاء والدهماء)، ولا يرون مبرراً للصمت حيال هذه الإساءات الصريحة - على حد تعبيرهم -، ويدور في أذهان هؤلاء تحريك الإجراءات بصورة شخصية، وبعضهم يرى في موقف الطاهر (طيبة زائدة عن الحد)، وقال بعضهم: (طيبة الطاهر تعيقنا). إلاّ أنّ الطاهر أعلن قبوله اعتذار الكاتب في مقال أعقب مقاله المثير للجدل، غير أنّه تحدّث في جلسة البرلمان التي أفردت حَيِّزاً لهذا الشأن عن إساءات متكررة تطال البرلمان، وذهب في حديثه منحى آثار حفيظة الصحفيين الذين كانوا موجودين على الشرفات، خاصة حينما ردّد لفظة (صغار الصحفيين)، ورفضوا هذا النعت إن كانت يعنيهم أو يعني غيرهم من الزملاء الصحفيين. مولانا الطاهر تحدث عن هجوم المقال، وقال: الكاتب هاجم البرلمان بلغة لم يَعتد عليها هو نفسه، ودلف للحديث عن انتقاد البرلمان، وقال: من حق الصحفيين انتقاد الدولة أو البرلمان فهذه حرية صحافة على أن يكون انتقاداً للمواقف والخلل فيها، وتحدث عن تعرضهم للانتقاد، غير أنهم لا يردون عليها، وقال: من حق الصحفيين انتقاد مواطن الخلل لكن يجب أن يتجنبوا الإسفاف، وأشار إلى صحفيين يستهدفون المجلس الوطني بآرائهم، وطالب الطاهر بأن تكون اللغة محترمة ولا تعكس صورة سالبة للصحافة، وشدد بقوله: لَسنا في محاكمة الصحافة، وكلنا في إطار واحد، لكن ينبغي التوافق على الحد الأدنى. ويرى الطاهر أنّ من وصفهم ب (صغار الصحفيين) يحاولون الصعود عبر انتقاد البرلمان وهم يتحمّلون لأجل منحه السانحة لتحقيق هذه الأهداف، حيث ذهب للقول: هناك حديثٌ أسوأ يرد حول البرلمان و(صغار الصحفيين) يمكنهم أن يتعلموا (فينا) النقد ونتحمّلهم لأنهم يريدون أن يرتفعوا إلى أعلى. هذه المسألة التي شغلت النواب كثيراً على ما يبدو، نُوقشت على طاولة البرلمان عبر صيغة تخولها لائحة البرلمان تتمثل في (شؤون مجلسية) حيث تولى العضو مهدي أكرت زمام المبادرة، وتلا للنواب تفاصيل المقال المسيئ للنواب - كما ظل يردد -. وقال أكرت إن رئيس تحرير صحيفة «آخر لحظة»، وجّه إهانات للنواب في عموده، ووصف النواب بالغوغاء وأراذل القوم، وتحدث عن وجود لوائح تحمي المجلس الوطني من مثل هذه التصرفات، وقال إنّ كاتب المقال وصف النواب بأنّهم أعضاء خونة ولا علاقة لهم بالشعب، كما أنه حرّض على حل البرلمان، وقال إنّ لغة الكاتب لا تصدر عن شَخص ذي بصيرة وكتاباته تحمل تحريضاً بحل البرلمان، ولفت في ذات الوقت إلى قدرتهم على المدافعة والمرافعة عن مواقفهم. ووسط هذا الجدل - أثار حديث الطاهر عن الصحافة ولفظة (صغار الصحفيين) - حفيظة الصحفيين المُكلّفين بتغطية جلسات البرلمان وعقدوا اجتماعاً طارئاً قرّروا فيه رفع مذكرة عاجلة للطاهر، خاصةً وأنّ العبارة وردت على لسان الأخير في أكثر من مرة. ورغم أنّ عبارة (صغار الصحفيين) أثارت هذا الموقف، إلاّ أنّ الطاهر في جانب آخر استخدم هذه العبارة في صالح الصحفيين في تلك الأيام، التي تشهد جدلاً كثيفاً حول قانون الصحافة حيث تبنى الطاهر مساندة من أسماهم ب (صغار الصحفيين)، وتحدّث كثيراً عن ظلم يقع عليهم وهم الذين يقومون بأدوار ومهام كبيرة ويستحقون أن تحفظ حقوقهم، حيث شكّلت العبارة (سلاح ذو حدين) في حديث الطاهر ومواقفه تجاه الصحفيين، خاصةً وانّه ذكر الكلمة من قبل في حوار صحفي مع أحد رؤساء التحرير، غير أنه ابتدر مؤتمراً صحفياً في البرلمان، بالاعتذار للصحفيين وأنه لا يقصدهم قطعاً. إلا أن هجو قسم السيد نائب رئيس البرلمان، رفض أن يحمل صحفيو البرلمان هذه (الطاقية)، وقال إن الذي يقوي البرلمان هم الصحفيون وهم متمرسون، غير أنه عاب على الصحفيين عدم ردهم على هذا المقال لأنّهم يدركون أنه حديثٌ يُجافي الحقيقة عن النواب - على حد تعبيره -، وأنهم بحكم وجودهم يعلمون بذلك، وتحدث هجو عن الكوادر الموجودة في البرلمان، وقال إنّه يضم (84) نائباً من حملة الدكتوراه والدرجات العليا الأخرى فوق الجامعية و(80) نائباً أيضاً من حملة الدرجات الجامعية وكوادر وخبرات لا يتناسب نعتهم بتلك الصفات التي تحدّث عنها كاتب المقال، كما أنّ هجو رفض تحريض الكاتب على حل البرلمان وعن عدم وجود علاقة بينه والشعب وبينه وبين قضايا البلاد، وأضاف مستفسراً: أبو العزائم ليس أحرص منا على البلاد، وسرد كذلك الإساءات التي ترد بالصحافة في حق النواب.