مرة أخرى تتغير السيناريوهات نحو إثارة الخرطوم واستفزازها باعادة التدويل فى قضاياها بفعل رعونة الازمات، ليفاجئ الاتحاد الافريقى الجميع بدعوة الرئيسين عمر البشير وسلفا كير لقمة عاجلة بغرض حل ازمة أبيى، بعد تصاعد الاحداث مؤخراً بمقتل زعيم أكبر قبائل الدينكا في المنطقة، وبررت تقارير اعلامية دعوة الاتحاد باحتواء التوتر الناجم عن مقتل سلطان دينكا أنقوك كوال وجندي أثيوبي من قوة حفظ السلام بالإضافة إلى 15 شخصا من المسيرية.. مراهنة الاتحاد الافريقي على حكمة الرئيسين، لم تكن المرة الاولى ، ومارس هوايته فى دعوتهما كلما استحكمت حلقات الازمة بين العاصمتين، وعقدا أكثر من قمة رئاسية آخرها تلك التى أفضت لتوقيع ما عرف باتفاقيات سبتمبر من العام الماضى.. وفى الوقت الذى جددت فيه العاصمتان أن أزمة أبيي لن تؤثر في التقدم الملحوظ في العلاقات بين البلدين وأكدا تهدئة الأطراف، وعدم التصعيد، واحتواء الأزمة، بدا الرئيس سلفاكير بحسب الكثيرين كمن يسعى لاستثمار وتوظيف أجواء الغبن الجنوبى بسبب مقتل سلطان الدينكا، لتحقيق مكاسب سياسية بدعوة الرئيس البشير لإجراء تحقيق عاجل حول تداعيات مقتل الزعيم القبلي، وتقديم الجناة المتورطين في الحادث إلى المحاكمة، قبل أن يطالب البشير باعلان قيام استفتاء ابيى فى اكتوبر المقبل. مراقبون، برروا توقيت دعوة الاتحاد الافريقى كرد فعل سريع على عبارات سلفاكير، وأعتبرها شول موين بول المسئول الاعلامى باللجنة السياسية لأبيى بالمؤتمر الوطنى، مساع أفريقية لتخفيف حدة التصعيد فى المنطقة. وقال(تقديرات الاتحاد بأن لقاء الرئيسين يمكن أن يخرج بحلول لتهدئة المنطقة من خلال تكوين الادارية والشرطة وفى التقليل من التصريحات المستفزة، لأن المنطقة الان ربما تصعب السيطرة عليها). أجندة اللقاء استبعد فيها بول تناول موضوع الاستفتاء، مشيراً الى أن الفترة الماضية شهدت تعطيل كل الخيارات واضاف( اذا تم استفتاء فى اكتوبر هل يمكن أن يحل المشكلة، اذا لا توجد ارضية لقيامه). وقطع الناطق الرسمى باسم اللجنة السياسية لأبيي بالمؤتمر الوطنى بأن يناقش لقاء الرئيسين تهيئة الاوضاع فى المنطقة من خلال تهيئة المناخ لعودة طوعية للنازحين، باعتبار أن ذلك من أكبر التحديات الموجودة التى تواجه عملية الاستفتاء. من جانبه أعتبر الفريق عبد الرحمن حسن عمر محافظ أبيى السابق، أن توقيت دعوة الاتحاد الافريقى هو الانسب أكثر من غيره لايجاد صيغة توافق لحل أزمة ابيى، وقال: ( من الواضح أن هناك غبنا من قيادات دينكا أنقوك بالحركة، فيما يتعلق بمسألة الوصول لادارة مشتركة بحسب اتفاق اديس ابابا، خصوصاً وأن الحركة ظلت تقدم بعض المقترحات المستحيلة بالنسبة للخرطوم)، واضاف(الحركة طالبت على مستوى الادارة التنفيذية بأن يكون لها الثقل فى مجلس الوزراء، كذلك فى الجهاز التشريعى 12 مقعد مقابل 8، وفيما يتعلق بالرئاسة أن يكون لها منصب رئيس السلطة الادارية والمجلس، وحتى فى الحكومة المدنية تريد أن يكون لها النفوذ). وتابع(وطالبت بأن يكون لها فى جهاز الشرطة أكثر من الف شرطى مقابل تقديرات الخرطوم ب200 جندى لحماية أبيى). واكد محافظ ابيى السابق أن اجتماع الرئيسين سيضع المسائل بشكل واضح بانتاج حل وصيغة مشتركة، كما أن حرص الاتحاد الافريقي ينطلق من خوفه على تأثيرات الاحداث على المفاوضات الجارية وخوفا على المكاسب التى تحققت برعايته. وقلل الفريق عبد الرحمن من أثر تصريحات سلفاكير بأن ابيى جنوبية وستظل، وقال ل(الرأى العام) إن ابيى شمالية ومازالت داخل حدود 1956م ولن يكون حسمها لصالح الجنوب اطلاقاً، وحديث الرئيس سلفا يجئ فى سياق تعاطف انسانى ، لكن الواقع يقول أن ابيى منطقة متنازع علي تبعيتها، بالتالى يجب أن تكون حكومة الجنوب واقعية. واعتبر أن ما حدث لكوال نتيجة لعدم وجود ادارية، وترك القوات الاثيوبية تتصرف بلا ضوابط أو مرجعيات. د.عبد الرحمن أبو خريس الباحث بمركز الدراسات الدبلوماسية، أعتبر دعوة الاتحاد الافريقى محاولة ذكية للحفاظ على ما تبقى من ثقة بين الطرفين، وقال ل(الرأى العام): (بعد نجاح اتفاقيات التعاون سارت الامور بصورة جيدة، لكن بعد أحداث ابيى والجبهة الثورية أخذت الثقة تضعف)، وبرر للخطوة بمحاولة تحسين العلاقات بين البلدين ما يشير لمدى اهتمام وحساسية وانشغال المجتمع الدولى والاقليمى بما يحدث بين جوباوالخرطوم. وراهن أبو خريس على أن تأتى أجندة اللقاء مستوحاة من تصريحات سلفاكير أى بايعاز من جوبا ورسالتها للمجتمع الدولى بأهمية حسم وتسوية الملف لصالح الجنوب، مما يفرض على الاتحاد الافريقى تبنى أجندة جديدة لتخفيف الضغط والتقليل من حدة التصعيد التى يسعى لها الجنوب من خلال استغلال حادث كوال بتجيير الملف للصالحه. عموماً المسيرية اكبر القبائل السودانية حرصاً على ابيى وتنظر لمدينتها التاريخية من باب المقولة (بدون الذاكرة لا توجد علاقة حقيقية مع المكان)، وأخذت منذ وقت مبكر تطلق تحذيراتها من احتمالات انفجار الموقف، على لسان الناظر مختار بابو نمر ناظر عموم قبيلة المسيرية، بسبب محاولات جوبا السابقة بضم أبيى ، حيث أقدمت حكومة جوبا على تشكيل (5) إداريات لأبيي دون الرجوع أو الاتفاق مع الخرطوم، واستنكر خطوة الجنوب وأعتبرها محاولة لخلق أزمة وربما حرباً حقيقية بين الدولتين، ويبدو حالياً إن المشهد تكتنفه بعض الضبابية بعدما تعذر على مفاوضى البلدين واللجنة الاشرافية المشتركة تحقيق اختراق مقبول يرضى الطرفين، ما دفع الاتحاد للاستعانة بحكمة الرئيسين فى تجنيب البلدين مزيداً من الانهيار.