لا يزال مشهد سير الرئيس عمر البشير، راجلاً من الكلية الحربية وتجواله بين المواطنين في مدينة أم درمان، بعد أيام من حسم دخول متمردي حركة العدل والمساواة للمدينة، والحشود التي استقبلته يؤكد على التعبئة العامة في القضايا الوطنية، وهو المشهد الذي تكرر وعم كل مناطق السودان، عندما حررت القوات المسلحة والنظامية الأخرى هجليج، التي كانت قد سبقتها تعبئة عامة.. وهو الذي يتكرر الآن بعد هجوم متمردى ما يسمى بالجبهة الثورية، على مناطق أم روابة وأبو كرشولا في ولايتي شمال وجنوب كردفان، وكانت أولى خطوات إعلانها في إجتماع اللجنة العليا للتعبئة والإستنفار، الذي ترأسه النائب الأول لرئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه وأعلنت فيه التعبئة والإستنفار لدعم القوات المسلحة والنظامية الأخرى في مواجهة هجمات المتمردين، ومضى بيان اللجنة الى ضرورة الإتصال بالقوى السياسية وتوحيد الجبهة الداخلية . والتعبئة من حيث اللغة تعني فى العديد من القواميس : (وضع القوى العسكرية وغيرها في حالة الإستعداد والتأهب في الحرب أو في الأزمات الخطيرة) ويَنْبَغِي تَعْبِئَةُ الجُمْهُورِ لِخِدْمَةِ الوَطَنِ : تَجْهِيزُهُمْ وَتَهْيِؤُهُمْ ، أَيْ جَعْلُهُمْ فِي حَالَةِ اسْتِعْدَادٍ وَاسْتِنْفَارٍ وَتَأَهُّبٍ لِخِدْمَةِ الوَطَنِ وأُعْلِنَ عَنِ التَّعْبِئَةِ العَامَّةِ فِي الجَيْشِ عبَّأ الجيشَ عبَأه ، عبَّاه ؛ هيَّأه وجهّزه للحرب والقتال ، نشره ورتَّبه عبَّأ مواردَ الدَّولةِ ، - تعبئةٌ بريَّةٌ ، - تعبئة طاقات الأُمَّة « تعبئة الكوادر : إعداد القوى الخاصَّة بأمر معيَّن ومن هنا فان التعبئة العامة، في مسار ما أعلن عنه هي توفير الدعم المعنوي والمادي للقوات المسلحة، لمواجهة وصد العدوان الذي يتعرض له الوطن، أي تهيئة الأجواء للقتال وتأمين الجبهة الداخلية، وفي كل التجارب منذ العهود القديمة فان للقيام بها ممارسون يجيدون فنها وإستنفار المواطنين باتجاه تحقيق أهدافها، إذ تعنى بالجانب النفسي والجانب الوطني وبث روح الحماسة في المواطنين قبل الجيش نفسه، مما يسهم في توحيد الجبهة الداخلية التي إن لم تكن موحدة سهل إختراقها وتشتت الجهود، وفي العهود الإسلامية كان للشعراء دورهم في بث روح الحماسة في المقاتلين وللنساء دورهن في مداواة الجراح وإعداد الطعام وشد أزر المقاتلين من الأبناء والأزواج والأخوان، وما قصة الخنساء إلا دليلا على هذا الدور المهم للنساء وللتعبئة التي سبقت المعارك. ويتمثل هجوم ما يسمى بالجبهة الثورية والإنتهاكات التي إرتكبتها بحق الأبرياء بخطره على الوطن والمواطن ما يدفع إلى إعلان التعبئة العامة، التي تشمل شرائح المجتمع كافة وهي تعلو ولا يعلى عليها وفق مبادرة المجلس الوطني، الذي وجه رئيسه مولانا أحمد إبراهيم الطاهر جميع نواب المجلس بالتوجه إلي دوائرهم وذلك لتفعيل دور المجلس بالولايات وقيادة الإستنفار، والتعبئة كل في ولايته والعمل على مساعدة القوى الشعبية النشطة، لتكون عونا ودعما وسندا للقوات المسلحة في مسارح العمليات، وحث الشعب بالدفاع عن النفس والذود عن حمي الوطن.. وما تم بإعلان الخرطوم للنفير العام والتعبئة من أجل تأمين الخرطوم، وسد المنافذ والثغرات تحسبا لأي طارئ. ورغم أن التعبئة في القوات المسلحة والنظامية يشار اليها برفع درجات الإستعداد القصوى 100% ذلك يسنده دور المواطن أيضا بالاستعداد النفسي والمعنوي ليكون سندا للمقاتل. يقول عبدالمجيد محمد عبدالمجيد الأمين العام للهيئة الشعبية لنصرة القوات المسلحة: إن (التعبئة الجماهيرية) كما نسميها تنبع من الإنسان بالفطرة ولكن الذين يقودون حملتها يقودون هذه الفطرة ويوجهونها.. وهم يقومون بالدعم المعنوي والمادي لجنود القوات المسلحة أي توفير الدعم للقوات المسلحة وتوحيد الجبهة الداخلية وهو ما يختلف عن إعلان حالة الطوارئ. ويروي عبدالمجيد عن تجربة سبقت بالتعبئة ضد قرارات الظالم أوكامبو مدعي الجنائية الدولية ضد الرئيس البشير ووزير الدفاع الوطني خرجت الحشود الجماهيرية بما لم يسبق لها مثيل، الأمر الذي أرسل رسالة واضحة لأعداء الأمة بان أهل السودان لا يفرطون في رئيسهم ولا قياداتهم. ويرى أنه لا بد من وجود أسباب لنجاح التعبئة العامة وليس هنالك سبب أقوى من الهجوم الغادر على أم روابة وأبو كرشولا وأم برمبيطة وترويع المواطنين العزل. إن نجاح التعبئة العامة وإعلان حالة الإستنفار، هو الطريق إلى النصر، بشرط أن من يقودون هذه التعبئة على دراية ووعي بثقافة وقيم وتقاليد مجتمعنا الذي يتنوع وتتعدد أعراقه ولكنه في الملمات يتوحد بلون واحد هو لون السودان.