ما بين الخصخصة والارتداد عنها ثم العودة لها - كشأن المؤلفة قلوبهم - مراحل مرت بها شركة الخطوط الجوية السودانية خلال مسيرتها لسنوات طويلة، فتارة هي مخصخصة وتارة هي ناقل وطني، وأقر خلال هذه المراحل عدد من الخبراء في صناعة الطيران، بأن تضارب وتداخل الأدوار والاختصاصات بين الأجهزة المختلفة لعب دوراً كبيراً في هذا التخبط، وطالبوا بأن يدق جرس إنذار على الهيكلة الجديدة للشركة وتعديل الخلل الموجود بها قبل ملئه بالوظائف، ولفتوا الى أن المفهوم المتعمق لدى الجهات المسؤولة هو أن الهيكلة خفض إدارات وعمالة - على خلفية خفض التكلفة والإصلاح - لكنها تطوير وإصلاح للعمل وإجادته. وبعد طفرات التطور التي شهدتها (سودانير)، بدأت في الانهيار تدريجياً نتيجة توقف الدعم الحكومي لها في العام 1980م، ثم لجأت الحكومة أخيراً إلى خصخصتها العام 2007م، وعادت لملكية الدولة مرةً أخرى وهي مثقلة بالديون وفقدت خط (هيثرو)، ولا تمتلك طائرات حديثة وأسطولها تعرض لأعطال فنية متكررة نتيجة لسوء الإدارة وقلة الدعم من الدولة. وفي محاولة لتدفق بعض الدماء لإنقاذ (سودانير)، تعاون معهد البحوث الإنمائية بجامعة الخرطوم ومعهد الشرق الأوسط لاقتصاديات المعرفه (ميكي) بجامعة برايتون وعدد من الخبراء الدوليين لتنظيم ورشة (خيارات تطوير مسار سودانير) خلال اليومين الماضيين توطئةً الى الخروج لمؤتمر صناعة الطيران بالسودان المتوقع انعقاده في يونيو المقبل لوضع رؤية علمية ومهنية للشركة ووضع اللبنات الصحيحة لبناء رؤية إستراتيجية للدولة في قطاع الطيران. وشدّد المشاركون في الورشة على أهمية إعادة الهيكلة للشركة بصورة علمية ومهنية (إعادة تخطيط) بحسب التخصصات والاستفادة من عضوية الناقل الوطني للاتحاد الدولي للنقل الجوي (الياتا) بالحصول على الدعم اللازم للمجالات الفنية والتجارية كافة، بالإضافة الى تصحيح الخارطة الذهنية رأسياً وأفقياً للمسؤولين والمستفيدين العملاء. ودعا المهندس اسحق آدم بشير ممثل وزير النقل إلى عدم اللجوء لحلول خاطئة تجاه (سودانير) والتزام المالكين للشركة بدعمها وتوفير الأصول الأساسية لها حتى تحلق وتنافس في الأجواء المفتوحة، بالإضافة لضرورة تغيير الذهنية الخاطئة للشركة ووضع انطباع جيد لدى الزبائن عن الخدمات التي تقدمها، وطالب بضرورة التفرغ التام لأعضاء مجلس الإدارة من الجهات الأخرى لأعمال الشركة والتخطيط الجيد لها وإحكام التنسيق مع الإدارات التنفيذية وجعلها من الأولويات، فالاهتمام بصناعة الطيران يأتي لأنه يسهم في الاقتصاد الكلي وأساس للتنمية ويحقق التواصل مع العالم ويلعب دوراً كبيراً في العلاقات الدولية، وقال إن ما تمتلكه (سودانير) من كفاءات بشرية لا يمكن الاستغناء عنها بل توظيفها جيداً وتوسيع مواعين العمل لها. من جانبه، قال د. عثمان بدري نائب معهد الدراسات والبحوث الإنمائية التابع لجامعة الخرطوم، إن هذه فرصة لتغيير المعوج وتطويره، وأضاف بأنّ الرؤية في الأفق ب (سودانير) غائبة، وتابع: لن يتطور سوق النقل الجوي في السودان دون أن يتطور الناقل الوطني. وأشار الى أن هنالك حقوقاً غير مستغلة في (سودانير) مما يعتبر فاقداً للاقتصاد الوطني، ونوه إلى أن العجز في حساب الخدمات أكثر (5) مليارات دولار قبل (5) أعوام، مليار دولار ناتج من عجز قطاع النقل. من جهته، قال الزبير بشير حمد رئيس نقابة (سودانير) إن الورشة هي ضربة البداية للمؤتمر الذي سيعقد لنهضة (سودانير) في الأيام المقبلة تحت رعاية الأستاذ علي عثمان محمد طه النائب الأول لرئيس الجمهورية، وأكد أهمية وضع الإستراتيجية والخطط لتطوير عمل (سودانير)، وقال إن الورشة تمت بمبادرة من العاملين بالشركة والتي قبلت تحدي النهوض بأدائها، ووضعت جملة من الخطط والمقترحات سترفع لوزارة النقل ليتم تنفيذها مع الجهات العليا. فيما دعا عبد الرحمن فضل خبير الطيران في ورقته حول الرؤية الخاصة بصناعة الطيران، للخروج برؤية موحدة وشاملة لصناعة الطيران بالدولة في قطاعاته المختلفة تقرها قيادة الدولة وتشرف على صياغتها بمشاركة المختصين في المجالات كافة، على أن تلتزم بها السلطات ومؤسسات الدولة والشركات العامة كعدم الاعتراف بالناقل الوطني وهضم حقوقه التي تعتبر مُهمّة لأية شركة طيران بالعالم، كما لفت إلى الإهدار الكبير لعشرات الملايين من الدولارات من العملات الصعبة في سوق المناولة الأرضية ما يجعله في حاجة ملحة للتنظيم الذي تنج عنه التحرير غير الموجه والمنافسة الضارة مع شركات تعمل في مجال المناولة مما يؤدي الى إهدار الدخل القومي دون مقابل، كما أن عدم وجود الالتزام بإكمال الدورة التشريعية للاتفاقيات الدولية والثنائية التي أدت وتؤدي الى إهدار الحقوق الكلية للشركات أو نية ومخالفة النظم الدستورية والتشريعية بالدولة. وأجمل عبد الرحمن، نقاط الضعف بالوضع الحالي في أن المقاطعة الأمريكية أسهمت في ضعف الأسطول، بالإضافة الى ضعف التحصيل المالي، خاصةً من الجهات الحكومية وعدم الاستقرار الإداري وعدم وضوح رؤية الدولة وإنفاذ كامل رعايتها للشركة مع الارتفاع المتكرر لأسعار الوقود في السودان. ومن ناحيته، دعا د. محمد الناير الخبير الاقتصادي، الدولة الى تحمل مسؤولياتها كاملة بدعم وتأهيل الناقل الوطني من خلال إصدار الضمانات اللازمة لمؤسسات التمويل، وأن تتولى عملية التطوير دون إهدار الوقت في البحث عن شريك إستراتيجي مع إصدارها لقرار أو توجيه بإلزام العاملين في الدولة بالسفر عبر الناقل الوطني باستثناء المناطق التي لا يصلها، وأن تمنح الدولة الناقل الوطني ميزات وتسهيلات تَفوق الممنوحة بموجب قانون الاستثمار، وتفعيل وتقوية دور مكاتب الناقل الوطني الخارجية وربطها بالسفارات لزيادة حصيلة النقد الأجنبي، وأشار إلى أنه وفق تقرير بنك السودان للعام 2011م فإنّ عدد ركاب النقل الجوي بلغ (2.58) مليون راكب وكان الناقل الوطني يستحوذ على نسبة تتراوح بين (50 - 60%)، وحالياً انحسرت حصته في حدود (10 - 12%)، وأكد فشل خطة إعادة هيكلة الخطوط الجوية السودانية في العام 2004م نتيجة فقدان المورد البشري المؤهل. وفي السياق، هاجم خبير الطيران د. شمبول، سياسة الخصخصة، وما تعرّضت له الشركة بسبب بيعها، وقال: كل الدول تكيف أوضاعها، فالدول التي تمتلك مقدرة مالية كافية وقطاعا خاصا مقتدرا تلجأ لتلك السياسة، كما أن كل الدول تدعم صناعة الطيران، ولابد من التعاون والمشاركة والتكامل مع الطيران المدني.