تشوهات الأجنة والأمراض الوراثية .. تظل هاجسا كبيرا يؤرق كل حامل في فترة حملها ، ويرسم علامات الدهشة على وجه الأهل .. لتبدأ مرحلة البحث عن العلاجات ،(الرأي العام ) تساءلت حول ماهي أنواع تلك التشوهات ؟ وماهي أسبابها ؟ وهل لزواج الأقارب دور فيها ؟ وما هي الأمراض التي يمكن أن تصيب الجنين جراء هذا النوع من الزواج ؟ هذه الأسئلة وغيرها يجاوب عليها التحقيق التالي .. الحزن القاتل عندما يتسلل المرض الى جسد الأطفال .. ويسيطر على الخلايا الحية يتسرب القلق والخوف الى قلوبنا .. وتحتل الهواجس والتوجسات مكانها .. فنتأرجح بين أمواج الاحتمالات والواقع .. وسرعان ما يرسل القدر إشاراته فاصلا بين الاشياء.. لتبقى حقيقة واحدة فقط أما الشفاء ، أو الألم طول الحياة .. وهذا ما حدث مع(مفيدة ) ذات الاربعين عاما .. تتألم وتتوجع كل لحظة ..عندما يكبر طفلها (علاء ) امامها وهو منعزلا عن العالم نتيجة إصابته بمرض وراثي أعاق حركته، فلم تجد وسيلة لعلاجه سوى حضنها الدافئ الذي يظل يحتويه دائما حتى يشعر بالامان الامر الذي يساعد في تحسين حالته النفسية .. الطفل (علاء ) عمره الآن خمس سنوات .. انجبته والدته في حالة صحية جيدة ولكن بعد الشهر الثالث لاحظت ضمور الارجل ، وبدأت تنتابه بعض الاعراض الإلتهابية ، التي ادت لضعف البنية الجسمانية ، ذهبت به والدته للطبيب حيث اتضح انه مرض وراثي ، في مرحلته الاولى ولا يمكن علاجه .. منذ تلك اللحظة لم تفارق الدموع عينيها خاصة بعد ان علمت بعدم شفائه من المرض ..وحتى العلاجات التي ظل يتناولها منذ سنوات لم تظهر اي مفعول بل تؤلمه كثيرا .. يقابله عجزها من تخفيف ألمه المستمر، داعية الله ان يشفي طفلها لتراه يلعب ويجري بين أقرانه . ماء دماغي إرتسمت علامات الدهشة على وجه (سعاد ) عندما اخبرها الطبيب ان مولودتها مصابة بمرض عبارة عن (وجود ماء في الدماغ ) ولن يتمكنوا من اجراء عملية جراحية لصغر سنها .. اعتصر قلبها حزنا ، فهذه اول مولودة لها ، كيف يمكنها تحمل هذا المرض ؟ ..منذ ذلك الوقت بدأت (سعاد ) رحلة العلاج .. وعانت ايما معاناة مع العمليات الجراحية، فالمرض تسبب في ازدياد حجم الرأس لطفلتها التي اجريت لها عمليتان جراحيتان والآن بصدد اجراء عملية ثالثة لسحب الماء من الرأس وتفادي زيادته. ضمور بالمخ وهذه (ماجدة الأمين ) في منتصف الثلاثين تزداد معاناتها مع انجاب اي طفل جديد فقد أنجبت ابنها الاول مصاب بضمور في خلايا المخ ، وابنتها الثانية تعاني عيبا خلقيا فرأت التوقف عن الانجاب حتى معرفة اسباب امراض اطفالها .. فهي لم تكتشف اصابة اطفالها بامراض إلا بعد مضي عشرة شهور من ولادتهم ، فتأخر الجلوس والجسد الضعيف جعلها تسأل الاطباء الذين افادوها بان طفلها الاخير مصاب بضمور في المخ ولا علاج له والآن الطفل عمره عام ونصف ولا يستطيع المشي او الحديث. حبل الأمل موصول بصوت ممزوج بالبكاء تحدث احد الآباء عن مأساته .. زوجته ابنة عمه ، ذهب على زواجهما تسع سنوات ، ويكاد الحزن يقتله لوفاة أبنائه الخمسة .. عند ولادة اي طفل له تعصف الاحزان الفرح الذي يغمر قلوبهم .. فبعد ثلاثة اشهر من الولادة يتوفى المولود نتيجة تشوهات خلقية ، بذلك تحجز الاحزان مسكنها بدواخلهم ، ومن وقت لآخر يحدوهم الامل مجددا بانجاب طفل سليم صحيا حتى تقر اعينهم به ، ولكن بعد مراجعة الطبيب علموا بوجود مرض وراثي نتيجة صلة القرابة مع زوجته، وعلم انه لن ينجب طفلا سليما ومع ذلك لم يفقد الامل .. وهو في انتظار طفل ليشبع له وزوجته غريزة الابوة والامومة لديهما . أسباب ظاهرية حسب دكتور (الزين عبد اللطيف ) اختصاصي طب النساء والتوليد ان الامراض المزمنة لدى الام تعد احد اسباب تشوهات الأجنة ، وتأتي في مقدمة تلك الامراض (السكري ) وتليه الامراض الوراثية نتيجة(زواج الاقارب ) ،وهذا يزيد من فرصة انتقال الجينات وظهورها في النسل ، ومن الامراض الناتجة لتلك الاسباب (الشفة الارنبية ? شق الحنك الولادي ? إنعدام الاذن او صغرها ? ثقب القلب ? وجود ماء في الدماغ ? عدم وجود الحاجب الحاجز ) وغيرها، كما يلعب تناول العقاقير الطبية دون إستشارة الطبيب دورا مهما في التشوه ، وكذلك العلاجات الكيمائية التي يتناولها مرضى السرطان والذين يتعرضون للاشعاع مثل أخذ صورة أشعة في الشهور الاولى للحمل ، كما أن عدم توافق الجينات بين الحيوان المنوي والبويضة يسبب تشوها عاليا لدرجة أن الحمل لا يستمر ويحدث إجهاض بنسبة 80% ، اضف الى ذلك استخدام مستحضرات التجميل وكريمات التفتيح التي تستخدم من قبل بعض الامهات فهي تؤثر على الطفل وقد تصيب الكلى لاحتوائها على (الكيرتزون ) هذا بجانب التدخين السلبي للأم واثره الكبير على المشيمة وعلى نمو الجنين ، وختم د.(الزين ) بأن هناك بعض اسباب التشوه غير معروفة وهي من عند الله ولا بد من إجراء الفحص الدوري والموجات ، ونصح المقبلين على الزواج بإجراء بعض الفحوصات لضمان إنجاب أطفال أصحاء . إعاقات عقلية وجسدية في السياق قسم استشاري طب الأطفال د.(عادل إبراهيم ) تشوهات الأجنة والامراض الوراثية إلى أمراض تحدث بسبب خلل في الصبغيات الوراثية (الكروموزومات ) ، وهذه تمثل 5% من مجموع الأمراض ، وهناك أمراضا تنتقل عن طريق (الجينات الوراثية ) وهي فرعان امراض منقولة من أحد الأبوين المصاب فعليا بالمرض ، وامراض محمولة بالموروث عن طريق كلا الأبوين ك(الانيميا المنجلية ). ونبه د.( عادل ) إلى خطورة الأمراض الوراثية قائلا: بعضها قد يكون خطيرا جدا ويؤدي للوفاة بعد الولادة كالامراض الاستقلابية الوراثية .. وعن إمكانية علاج تلك الامراض أفاد: بشكل عام لا يوجد علاج ناجع لمجملها ، واوضح هناك امراضا وراثية مصحوبة بإعاقات (جسدية وحركية وحول حقيقة أن أغلب التشوهات والامراض التي تنشأ هي نتيجة الزواج من الأقارب افاد (د. عادل ) زواج الأقارب يلعب دورا كبيرا في الإصابة بتلك التشوهات الناتجة عن الوراثة المتنحية ك(فقر الدم وأنيميا البحر الابيض المتوسط ) ولكن هذا لا يعني أن عدم الزواج من إحدى الأقارب يضمن إنجاب ذرية سليمة من أي مرض وراثي ولذلك يجب القيام بتحاليل توضح ما إذا كان الشخص حاملا لمرض وراثي ام لا بغض النظر عن صلة القرابة بين الخطيبين. الكشف المبكر فيما ابانت دكتور (هدى عابدين ) استشاري هندسة وراثية، الهدف الاساسي من زواج الاقارب هو تجميع العائلة وليس تفريقها ، حيث يعتقد البعض ان الزواج من داخل العائلة يجنبهم حدوث مشاكل قد تؤول إلى الطلاق في يوم ما ، فمسألة الامراض الوراثية والتشوهات التي قد تظهر لدى الابناء تمكن العلم من الكشف عنها ومعرفة ما إذا كانت هناك احتمالات لانتقالها للأبنا أم لا،وإتفقت د.(هدى ) مع الحديث السابق حول اهمية إجراء الفحص للمقبلين على الزواج للتأكد من عدم الإصابة بامراض وراثية او معدية ك(إلتهاب الكبد الفيروسي ونقص المناعة المكتسب ) بغرض إعطاء المشورة الطبية حول احتمالية انتقال تلك الأمراض من الازواج الى الأبناء في المستقبل، وإعطاء الخيارات والبدائل أمام الخطيبيْن من أجل مساعدتهما على التخطيط لأسرةٍ سليمةٍ صحياً ، وعن فوائد الكشف المبكر للأقارب قبل الزواج، قالت: الهدف منه تقليل انتشار الأمراض، فكم من الأعباء الاقتصادية التي يمكن أن تتحملها الأسر والمجتمع والدولة من الأمراض والتشوهات الوراثية، موضحة أن هناك زيادة توعية لدى المجتمع بخطورة انتقال تلك الأمراض .