مخطط تقسيم السودان ماض، بحسب إفادة ميشيل رامبو السفير الفرنسي السابق بالخرطوم والذي قضى بها خمس سنوات من بين الاربعين عاما من عمره الدبلوماسي في المنطقة ، وحسب رامبو انه لم يسجل افاداته تلك طبقا لعمله البلوماسي وحسب، ففي كتابه عن تلك الفترة (السودان في كل حالاته)، و التي أطلقها على الهواء في حوار متلفز أمس الأول، محصلته أن انفصال دولة جنوب السودان ليس محطة أخيرة في قطار أزماته المتناسلة بفعل فاعل - حسب رامبو، لجهة أنها استراتيجية أمريكية إسرائيلية، تستهدف موارد البلاد الطبيعية، وإضعافها. ظلم الجغراقيا حسنات وسيئات الجغرافيا؛ تقاطعت في موقع السودان المتميز من حيث منحه ميزة أن يكون سلة غذاء العالم، وقلب افريقيا النابض؛ الغني بالموارد الطبيعية، وحائط صد خلفي للأمن القومي العربي (والمصري على التخصيص)، فيما جعلت منه ذات المميزات أن يكون هدفاً للأطماع المشروعة وغير المشروعة للدول، تنتاشه سهام المتربصين، خاصة في ظل الصراع الناشب على الموارد القليلة، وعلى رأسها المياه الصالحة للشرب والاستخدام، وتقول إحدى احصاءات الأممالمتحدة، إن نسبة المياة الصالحة للشرب في العالم لا تتجاوز (3%)، لذا ظهر اتجاه دولي لبيع المياه وتسليعها تقوده إسرائيل كي تتمكن من الحصول على مياه نهر النيل لسد النقص الكبير الذي تعاني منه، وليس من الصدف أن يكون جل مهندسي المياه يهودا أو حاملين للجنسية الإسرائيلية. وفي ظل المتغيرات الجوهرية التي اعقبت الحرب العالمية الثانية، وغيرت مراكز القوى في العالم، بانت بوادر صراع علني على الموارد الطبيعية، والآن اصبح ذا معالم بارزة وخريطة تحدد ميدان المعركة، وفي حوار رامبو اللافت للانتباه؛ والذي برأ فيه كل العالم من الولوغ في مخطط تقسيم السودان، وجه التهمة مباشرة الى الولاياتالمتحدةالامريكية ودولة اسرائيل، ليقول التاريخ كلمته، تجاه الواقع. وقال رامبو إن المخطط أصلا يجيء تحت دواعي التفكيك الكبير للدول العربية والإسلامية الذي قاده المستشرق البريطاني بيرنارد لويس (يهودي الديانة) لصالح دولة اسرائيل، ينتهي بتفكيك البلاد إلى أربع دويلات. الدور البريطاني فتاريخ النزاع الطويل في السودان ارتبط بفترة الحكم الثنائي الذي انفردت به بريطانيا في الواقع، المؤرخ له في عشرينيات القرن الماضي، إبان إعمال قانون المناطق المقفولة (close system)، وفي أحد منابر الخرطوم السياسية تحدث الفريق الطيب عبد الرحمن مختار عن مشاهدته لنسخة من خريطة إفريقيا الجديدة منشورة بأحد مراكز الدراسات البحثية في لندن، وقال إن تلك الخريطة تخلو تماما من اسم جمهورية السودان وخريطته المعروفة وهذا قبل الانفصال، وذهب الى ان السودان ظهر مقسما الى دويلات ملحقة بتجمعات لدول الجوار وفقا لمواقعها، فيما بقيت منطقة وسط السودان بلا اسم وفي زنزانة جغرافيا دون اتجاه، كما لا ينسى التاريخ أن بلفور رئيس الوزراء البريطاني هو من بذر بذرة اسرائيل في المنطقة، شوكة في خاصرة الشرق الأوسط دون ان يطرف له جفن. ودون توصية من أحد اختارت دولة اسرائيل التي قامت بعد (26) عاما من سريان ذلك القانون بسياسة شد الاطراف في المنطقة، ولعبت دورا كبيرا فيما بعد، في حماية الحركات الجنوبية المناهضة للحكم في الخرطوم منذ العام 1963م، وبالتالي قام الفريق سلفا كير ميارديت أول رئيس لدولة جنوب السودان بأول زيارة شكر خارجية له الى إسرائيل، وقال هناك: (بدونكم ما كنا لنكون موجودين، قاتلتم معنا للسماح بإنشاء جمهورية جنوب السودان)، ومن ثم توالت زيارات النافذين الإسرائيليين تترى إلى جوبا، مع كثير من الوعود بالدعم والتنمية، وفي الجانب الآخر، نجد ان اسرائيل شنت أربع غارات جوية ضد السودان على مدينة بورتسودانوالخرطوم بحجة ضرب أهداف تهدد الأمن الاسرائيلى، والامن الاسرائيلي حسب سياسة الذراع الطويل، متحركة لا تحدها حدود وتضاريس الجغرافيا، بل تتحرك وفقا لحركة مهددات الأمن الإسرائيلي. أمن بلا حدود لذا لا تتورع إسرائيل عن قتل الأفراد او المجتمعات أينما كانوا، على طريق الاسفلت في بورتسودان او فندق خمس نجوم في إمارة دبي، وبالنسبة للسودان وقبل ان يلتقط انفاسه بعد التوقيع على اتفاقية السلام الشامل مع مسلحي الجنوب، تفجرت ازمة دارفور، وبعدها جنوب كردفان والنيل الأزرق، وجاءت ذات المفردات التى فصلت الجنوب، وكانت محرمة في وقت سابق، وتصنف كجريمة خيانة عظمى والتي تبدأ بالمطالبة بحق تقرير المصير بصوت خافت، أما بالنسبة للولايات المتحدة و(أصحابها) فإنها لا تخوض حربا تقليدية على السودان؛ لكن تكسر مفاصله بالعقوبات الاقتصادية التي يظهر وجهها القبيح في تفاصيل الحياة اليومية للناس البسطاء، بجانب قرارات مجلس الأمن والتي بلغت (17) قراراً أحلاها مر، وتلعب دورا رئيسيا في تضييق مساحة حركة الحكومة. ومن المفارقات المشهودة لبعض الدول الغربية ايضا والمنوط بها لعب دور إيجابي وعادل، أنه إبان جلسات مؤتمر المانحين الخاص بدارفور؛ الذي انعقد أبريل الماضي في الدوحة برعاية قطرية، فان مندوب كندا بدلاً عن الحديث بشأن المؤتمر تحدث عن الحرب الدائرة في جنوب كردفان والنيل الأزرق وإفرازاتها، كما أن موقف أمريكا كان مائعاً لا يشابه نفوذها كدولة قوية.