يبدو أن ارادة السلام أصبحت هي الغالبة على ما سواها من ارادات بين الخرطوموجوبا، برغم الجراحات ومرارة الاعتداء الآثم الذي تعرضت له مدينة (أبو كرشولا) وبعض المناطق بولاية شمال كردفان، فقد اكد السفير بدر الدين عبد الله مدير ادارة الجنوب بوزارة الخارجية، أن الاجتماعات الفنية الخاصة باللجنة السياسية الأمنية المشتركة ستلتئم بجوبا خلال اليوم الاثنين وغدا الثلاثاء، فيما تعقد اللجنة على المستوى الوزاري بعد غد الأربعاء. وكان الغموض قد اكتنف مصير اجتماعات اللجنة السياسية الامنية المشتركة بين الخرطوموجوبا حتى قبل يومين، وتضاربت الأقوال بشأنها في أعقاب تحذيرات الرئيس عمر البشير التي اطلقها لجوبا يوم إعلان تحرير مدينة (أبو كرشولا) إن هي تمادت في دعمها للجبهة الثورية، فيما التزم الاتحاد الافريقي والآلية الأفريقية رفيعة المستوى الصمت، ولم يصدرا أية ردة فعل على تحفظات السودان بشأن دعم جوبا للجبهة الثورية أو دفعهما وحثهما على مواصلة الحوار بينهما عبر اللجان باعتبارها الوسيلة الافضل لحل الخلافات. وقد أكد صمت الاتحاد الافريقي الفريق عبد الرحمن سر الختم سفير السودان ومبعوثه الدائم بالاتحاد الافريقي ل (الرأي العام)، عندما قال إن الاتحاد أو الالية الأفريقية رفيعة المستوى لم يؤكدا حتى السبت الماضي، الموعد المضروب، ولم يصدرا أي ردود فعل حول التحذيرات التي اطلقها الرئيس البشير بوقف تنفيذ كل الاتفاق حال ثبت مواصلة جوبا في دعم المتمردين. لكن السفير أبوبكر الصديق الناطق باسم وزارة الخارجية قال ل (الرأي العام) أمس الأول، إن تحديد موعد الثالث والرابع من يونيو الحالي لبداية المباحثات الفنية الخاصة باللجنة السياسية الامنية المشتركة والمقرر عقدها في جوبا هذه المرة جاء وفقا لمقترح سوداني دفع به الجانب السوداني لجوبا بعد تقاطع الموعد القديم والمحدد بالخامس والعشرين من مايو الماضي. واستبعدت مصادر عليمة أن تتدخل الآلية الافريقية رفيعة المستوى في تحديد مواعيد اجتماعات اللجان بعد ان تركت الامر وفقا للمصدر للبلدين ليقررا في ذلك؛ بعد ان احالته للشأن الثنائي للدولتين. ويرى محلل مهتم بالملف، أن تصريح وتحذيرات الرئيس البشير القاضية بوقف كل الاتفاقيات حال ثبت تورط جوبا في دعم الجبهة الثورية؛ كان ينبغي - وفقا لتقديراته - أن تكون دافعا لتعجيل عقد اجتماعات اللجان بدلا عن تأخيرها، وإقناع الخرطوم بأن دولة الجنوب لا علاقة لها بتقديم دعم للجبهة الثورية في هجومها الأخير على شمال كردفان ومدينة (أبو كرشولا). ولم يستبعد المصدر أنه حال حدث تأجيل لاجتماع اللجنة، أن يكون بسبب الزيارة التي يقوم بها حاليا رئيس دولة الجنوب الفريق سلفا كير ميارديت لدولة اليابان مصطحبا معه بعض وزرائه الاعضاء في اللجنة، على رأسهم وزير خارجيته، غير ان السفير بدر الدين عبد الله مدير ادارة الجنوب بوزارة الخارجية أكد (الرأي العام)، أن جوبا لم تبلغهم بأن الوزراء لن يكونوا مشاركين وأن الاجتماعات سوف تؤجل. بجانب ذلك، فان بعض المراقبين لم يستبعدوا تأجيل اجتماع اللجنة من قبل جوبا بوصفها المستضيفة لجهة ترتيب نفسها بشكل جيد، والتأكيد للخرطوم أنهم على عهدهم لا يدعمون الجبهة الثورية، في ذات الوقت الذي يتوقع فيه أن تبرز الخرطوملجوبا بالدليل حجم تورطها بدعم المتمردين في هجومهم على (أبوكرشولا)، خاصة أن اجتماع اللجنة السياسية الامنية المشتركة معني في المقام الاول بمراجعة تنفيذ الترتيبات الأمنية من خلال التقارير المرفوعة من الجهات المعنية. وكان السودان اتهم بشكل مباشر دولة جنوب السودان بدعم هجوم متمردي الجبهة الثورية على مدينة أم روابة ومناطق أخرى بولاية شمال كردفان قبل أسبوعين، وحذر من أن ذلك يمكن أن يقوض اتفاق التعاون الذي وقعه البلدان مؤخرا. وذكر جهاز الأمن والمخابرات الوطني، أن جوبا دعمت المتمردين بعدد من سيارات الدفع الرباعي وكميات من الأسلحة والذخائر، مع استمرار عمليات التدريب بمعسكرات راجا وطمبرة ومناطق نيم وفارينق بولاية الوحدة، في مسعى لتكوين قوة أخرى والدفع بها إلى داخل السودان. وعضد الأمن الاتهام باستخراج حكومة جنوب السودان وثائق سفر اضطرارية لعدد من جرحى حركات التمرد ممن تم إخلاؤهم من جنوب كردفان ونقلهم إلى مستشفيات ببعض الدول الأفريقية، إضافة إلى استضافة قادة ميدانيين وعسكريين من الحركة الشعبية قطاع الشمال ومن الفصائل المتمردة بدارفور. وأشارت التقارير إلى أن الخرطوم سبق ولفتت نظر جوبا مرارا لخروقاتها في شأن دعم المتمردين، مع تأكيدها على التزام السودان بإنفاذ ما يليه من التزامات تتعلق باتفاق التعاون بكافة بنوده الأمنية وتلك المرتبطة بالنفط. وكانت جوبا هي الأخرى قد اتهمت الخرطوم في وقت سابق بالوقوف وراء مقتل زعيم دينكا نقوك، فيما أعلنت الخرطوم من جانبها أيضا أنها ستلاحق قيادات قطاع الشمال عبر الانتربول. على كل، اتهامات وشكوك وتحذيرات تطغى على ما سواها في انتظار اجتماعات اللجنة السياسية الأمنية المشتركة، إن كتب لها أن تلتئم بجوبا اليوم على مستوى الخبراء، ينتظر منها النجاح في ردم هوة عدم الثقة التي عززها هجوم الجبهة الثورية على (أبوكرشولا) الاخير، وتفلح بالتالي في تغليب ارادة السلام، رغم التخوفات من أن تنكسر أمام إرادة اعداء السلام هنا وهناك، وبالتالي السير في الدائرة المفرغة .. كلها استفهامات وأمنيات .. وحدها مخرجات اجتماع اللجنة من تجيب عليها خلال هذين اليومين.