لم تهدأ العاصفة بعد بالرغم من تحذير الرئيس المسبق بإيقاف النفط ، الخطاب السابق كان بمثابة تهيئة للخطاب الأني الذي وصفه المراقبون بالخطاب العاطفي حينها وأستبعدو أن تقدم الحكومة لمثل تلك الخطوة إستنادا على المباحثات المستمرة والإتفاقات التمهيدية التي إنبثقت منها الإتفاقية الأخيره بعبور النفط عبر أنبوب الشمال . السياسة التي أقدمت عليها الحكومة جاءت نتيجة دراسة متأنية لكل تبعات واثار القرار المتوقعة حسب ماوصفها الرئيس لدي مخاطبته الاحتفال الجماهيري الحاشد الذي اقيم بمنطقة الشلعاب بمناسبة افتتاح كهرباء قري شمال بحري ، وقال الرئيس في خطابه أمس أن السودان سيمضي في قراراته بعد دراستها ولن يهمه أن يتم تصدير النفط الجنوبي عبر كينيا او أي دولة أخري مشيرا الي أن السودان كان يأمل أن يكون هناك حسن جوار مع دولة الجنوب لكنها رأت غير ذلك . كما دعا البشير الشباب الى الإنخراط في صفوف الجهاد ووجه بفتح معسكرات القوات المسلحة والدفاع الشعبي اعتبار من الغد . وقال نحن لا بنتلاك ولا بنبتلع ومضى يقول نحن منحنا الجنوب دولة كاملة الدسم بكل الخدمات والمال لكنهم اختاروا أن (يعضوا) اليد التى (مدت) لهم . وقال رئيس الجمهورية موجهاً حديثه المارقين (البرفع عينو على السودان بنقدها ليهو والبرفع أصبعوا أو لسانوا ح نقطعو ليهو والبجينا بالخير بلقانا نحن يانا ذاتنا لا تبدلنا ولا اتغيرنا) . كما وجه المشير عمر البشير رئيس الجمهورية وزير النفط بمخاطبة الشركات العاملة في نفط جنوب السودان باغلاق الانبوب الناقل لبترول الجنوب اعتبارا من اليوم 09 يونيو 2013م. وذكر البشير انه كان قد أمهل دولة جنوب السودان لوقف ممارساتها التي وصفها بالخرقاء في التعامل مع السودان في اشارة منه ( لدعم التمرد) مبينا أن السودان لن يسمح بتصدير نفط دولة الجنوب لاستخدام عائده في دعم المتمردين والمرتزقة ضد السودان . وقال ان السودان سيمضي في قراراته بعد دراستها ولن يهمه أن يتم تصدير نفط . تأكيد منتهي الصلاحية بالرغم من تأكيد دولة جنوب السودان التزامها باتفاقيات السلام الموقعة مع السودان ونفيها لدعم المتمردين لكن اتهامات الخرطوم الجديدة تعد بداية لنسف سلسلة من الاتفاقيات الرئيسية الموقعة بينهما لتطبيع العلاقات بين الدولتين وقال وزير الاعلام في جنوب السودان برنابا ماريال بنجامين في حديثه لبعض الوكالات "اتفقنا على ان هناك اجواء جديدة من الحوار ولا نريد العودة الى المربع الاول" إلا أن حديث برنابا لم يدم طويلاً بالرغم من ان له بعض المدلولات التي تدس السم في الدسم فعلاقة حسن الجوار وأجواء جديده للحوار لن تكون على صفيح من نار فالجنوب بالرغم من تبريراته النافيه لدعم الحركات إلا أن الخرطوم تبرهن على الدعم بالأدلة العينية ، سلاح النفط موردا رئيسيا للاقتصاد الفقير في كل من الدولتين لكن هذا لايعني أن تجثو دولة السودان على ركبتيها راهنة سياساتها الخارجية بالضيق الإقتصادي حسب وصف الرئيس جوبا بدعم متمردي الحركة الشعبية شمال السودان الذين يقاتلونها في ولايتي جنوب كردفان والنيل الازرق . إغلاق أنوب النفط بداية المشكلة السبب المباشر فى تفجر الأزمة يعود إلى أنه وبعد مرور أكثر من خمسة أشهر على انفصال الجنوب فى يوليو 2011 والسماح بمرور نفط الجنوب بدون دفع رسوم العبور، وفي غياب أي أتفاق، فقد قرر السودان بدءا من ديسمبر 2011 أخذ مستحقاته عينا الى أن تتم تسوية نهائية وفق ما سيتم الاتفاق عليه، باعتبار أن جوبا لم تكن تحت ضغط للتوصل الى اتفاق. من المعروف أن جنوب السودان بعد إنفصاله وتحوله إلى دولة مستقله، أصبح يمتلك 75% من إجمالى الانتاج النفطى السودانى الذى كان قد بلغ حوالى 470 ألف برميل يوميا. وقد ظلت قضايا النفط وكيفية احتساب رسوم العبور من بين القضايا العالقة بين الشمال والجنوب، حيث لم يتم التوصل إلى إتفاق بشأنها بسبب الفجوة الواسعة بين مواقف الطرفين. وكان السودان قد أعلن في أكتوبر 2011 مطالبتها باحتساب رسم عبور النفط شهريا على الصادرات النفطية لجنوب السودان بما يعادل 36 دولارا للبرميل الواحد، أي 23% من نفط الجنوب الذى يمر عبر أراضيه، فى الوقت الذي أبدي فيه الجنوب عدم استعداده لدفع أكثر من 0.7 دولار. التبعات السياسية بعيدا عن الجدل حول قضايا النفط ورسوم العبور، فإنه من الواضح أنه وبدلا من أن يصبح النفط عاملا لتأكيد التعاون والتكامل بين الطرفين، فإنه أصبح أداة لتحقيق أهداف سياسية معلنة أو مضمرة، فالسودان من وجهة نظر الجنوب يسعى إلى تعويض ما فقده من العائدات النفطية التي كانت تأتيه بأي صورة من الصور، بما فى ذلك إحتمال العودة لبسط سيطرته مرة أخرى على الحقول النفطية، وهو إتهام كان قد ذكرة الرئيس سلفا كير صراحة، الأمر الذى يمكنه أن يقدم تفسيرا ولو جزئيا للحرب المنطلقة في جنوب كردفان والنيل الأزرق والدعم اللوجستى الذى تقدمه دولة الجنوب لقطاع الشمال وفصائله المختلفة . وهكذا يبدو ان قرار الرئيس الذى تم إتخاذه فعليا بعد ان تم التلويح به عدة مرات من قبل خصوصا بعد تحرير أبو كرشولا وقد تم التفكير فيه والإعداد له قبل ذلك بفترة من الوقت كان بداية لتلك الإنزارات المتكرره للتمادي المستمر من قبل دولة الجنوب . التبعات الإقتصادية بإغلاق أنبوب النفط فعليا قد توضع الخرطوم تحت تأثير خسارة العائدات المتوقعة من رسوم العبور والتى تقدر بثلث الميزانية التى سبق لحكومة السودان اعتمادها، ومن ثم فان هذا بلا شك سوف يؤدى الى زيادة الضائقة الاقتصادية الى يعانى منها السودان والتى يراهن الكثيرون على أنها قد تكون الباب الذى تهب منه رياح عدم الاستقرار الاجتماعى والسياسى إلا أن توكيد الرئيس بدراسة التبعات ووضع الحلول قبل إتخاذ القرار كان بمثابة التربيت على كتف المواطن والتأكيد له بأن الحكومة تعي جيدا ماتقوم به . إذن لا يبدو أن هناك خيارات واسعة للحركة امام الطرفين فإما ان يصلا الى حل بإلتزام الجنوب بوقف الدعم ورفع يده من قطاع الشمال وهذا لن يحدث ، او أن ينزلقا الى الحرب فى ظل استمرار التصعيد، سواء كانت هذه حربا محدودة او شاملة او بالوكالة على حسب تصريح الرئيس بتجهيز المجاهدين وفتح المعسكرات للدفاع الشعبي والجيش ، ورغم التصريحات المتكررة بان الطرفين لا يرغبان فى الحرب وليسا مستعدين لها أو لتحمل تبعاتها، إلا أن فرص استمرارية الوضع الحالى تتراجع باستمرار، ومن ثم فقد تكون الحرب هى الوسيلة المتاحة لخلط الاوراق ومحاولة الوصول الى توزان جديد او لكسر إرادة طرف للآخر. وهو خيار بالغ الخطورة على الشمال والجنوب معا. البعد الدولي لن تمر الخطوة بصورة طبيعية رغم توكيد الرئيس بالقرار النهائي وتوقعه لكل تبعات القرار بل وتوجيهه لوزير النفط بإبلاغ الشركات العاملة في النفط بوقف الضخ ، إذ لايبدو من الوهلة الأولى أن مستقبل الإتفاقات التي وقعت بعد الكثيرة من الجولات مصيرها سيكون داخل مزبلة التاريخ ، وللدولة الراعية للإتفاقية دور وكذلك الإتحاد الافريقي رغما عن أن الشأن يخص السودان ،لذلك نجد أن الحراك الدولي والرضا الأمريكي من إستئناف النفط لم يكن مجرد تسليم عارض على مسيرة الإتفاق ، لذلك سيكون في الأيام المقبلة الكثير من المستجدات على الساحة الدولية على خلفية القرار .