في مقال الأمس أبدل الأستاذ المصحح كلمة (أطراف) التي كان ينقصها حرف )الراء( بسبب خطأ طباعي بكلمة (أطفال)، ربما لأنها كانت الأقرب إلى ذهنه بحسب السياق، هو على كل حال لم يبعد النجعة، وإن كان قد أعطانا سبباً وجيهاً لمقال اليوم ..! الذين فازوا بجائزة نوبل مدينون بذلك المجد لبعض الصحف التي نشرت خبر وفاة لودفيغ نوبل التاجر الثري، شقيق ألفريد نوبل مخترع الديناميت، فقد التبس الموت على تلك الصحف وظنت المتوفى هو ألفريد فجاءت صياغتها للخبر بعناوين هجومية على غرار «مات عدو الإنسانية .. مات القاتل .. نوبل يرحل بعد أن زرع الدمار» .. ألخ ! .. وعندما قرأ الرجل رأي الناس فيه، اتخذ على الفور قرار تسخير ثروته التي جنى معظمها من اختراعه المدمر للإنفاق على جوائز تقدم سنوياً لأصحاب الإسهامات الكبرى في خدمة السلام والعلوم والآداب ! أخطاء الصحف في صياغة الأخبار تحدث في الغالب سهواً .. أما أخطاء صياغة المقالات واختلاف بعض الكلمات من النص الأصلي إلى النص المنشور، فسببه تعدد القائمين على أمر المقال قبل صدوره .. من الكاتب إلى المصحح إلى المحرر! لكن بعض المصححين والمحررين يعمدون إلى تغليب وجهات نظرهم على آراء الكتاب فيخرج التحريف المفسد للمعنى على الملأ مذيلاً بتوقيع الكاتب المسكين وعلى مسؤوليته أيضاً .. وليس أصعب من تصحيح الخطأ الطباعي المنشور ! ومن طرائف المصححين موقف شهير لمصحح مجلة العربي الكويتية مع نكتة ختم بها الكاتب إحدى المواد، مضمونها أن رجلاً قام برفع شكوى إلى الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك قال فيها : يا أمير المؤمنين : إن (أبونا) قد هلك وترك (مال كثير) فوثب (أخونا) على مال (أبونا) وامتلكه ..! فغضب الخليفة من وقوع الرجل في أربعة أخطاء نحوية في كلام قليل، ورد عليه قائلاً في غضب : لا رحم الله أباك ولا بارك فيما ورثت! .. لكن النكتة فقدت دلالتها لأن المصحح كان يفتقر إلى حس الدعابة، فصحح الأخطاء النحوية موضوع النكتة ! في التعامل مع هذه الأخطاء، أمام الصحف خياران أمرهما حلو.. فإما أن تحذو حذو صحيفة (التايمز) التي كانت تكثر فيها أخطاء الطباعة، فبحث القائمون على أمرها القضية بكل جدية .. ثم قاموا برصد مكافأة قدرها ألف جنيه إسترليني لكل خطأ .. وبعد انقضاء نحو عامين على قرار الجائزة لم يتمكن أي قارئ من الحصول عليها! وإما أن تكابر فتحذو حذو صحيفة أمريكية أخرى، نشرت خبر وفاة الشاعر والأديب الفرنسي الكبير فيكتور هوجو في العام 1875م .. ومع أن الصحيفة قد علمت بعد ذلك أن الرجل كان حياً يرزق، إلا أنها كابرت ولم تعتذر ! وبعد مرور عشر سنوات أي في العام 1885م، مات هوجو فعلاً، فنشرت ذات الصحيفة الخبر التالي ب الخط العريض: «لقد كنا أول من سبق إلى إعلان وفاة الشاعر الكبير»!