الإحباط شعور يتسيد دوائر الخرطوم الرسمية وغير الرسمية، بعد تبدد حلمها في جوار آمن وسلام مستدام مع جوبا، وتزايد تكاليف توضيح الموقف الآيل للتصعيد ، بعد جملة من الاتهامات الموثقة للأخيرة بالسهر على تأزيم الاولى واستنزافها دوماً برغم سيل من الاتفاقات تشارف على الانهيار.. من خانة الدفاع الى الهجوم، هكذا بدا مشهد الرئيس البشير وحكومة الخرطوم وهي تعلن ايقاف تنفيذ كل الاتفاقات الموقعة مع الجنوب ذات سبتمبر، لتقرن قرارها بالفعل، وتتجه لمنح الفنيين فرصتهم ستين يوما من عمر الزمان قبيل اغلاق الانبوب، وهو ما أعتبره كثيرون مهلة تتضمن فرصة سياسية لتصحيح الاوضاع من قبل الطرف الآخر.. تبصير الشركاء الخرطوم بدت كمن تدرك خطورة قرارها وحركة أطرافها ودوائرها لتبصير شركاء العملية السلمية والمهتمين بمبررات القرار الخطير، فغادر وزير الخارجية كرتي إلى العاصمة الأثيوبية أديس أبابا بمعية أعضاء وفدها المفاوض إدريس محمد عبد القادر وزير الدولة برئاسة الجمهورية وسيد الخطيب عضو وفد التفاوض، أمس حاملين رسالة خطية من رئيس الجمهورية المشير عمر البشير إلى ديسالين هايلي مريام رئيس وزراء أثيوبيا رئيس الدورة الحالية للاتحاد الأفريقي، ونقلت تقارير اعلامية عن السفير أبوبكر الصديق الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية ان الرسالة تتعلق بالتطورات الأخيرة بشأن العلاقات بين السودان وجنوب السودان، وكشف عن لقائهم ضمن برنامج التوضيح بديلامين زوما رئيسة مفوضية الاتحاد الأفريقي ورمضان العمامرة رئيس مجلس السلم والأمن الأفريقي وممثلي الآلية الأفريقية رفيعة المستوى برئاسة ثامبو امبيكي، ولفت إلى أن الرسالة تتضمن شرحاً لدواعي قرار رئيس الجمهورية بتجميد تنفيذ اتفاقية التعاون المشترك مع جنوب السودان في ظل استمراره في دعم الحركات المسلحة في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان. تحركات مختلفة الخارجية ربما لم تقنع بالوقوف عند حدود الاتصال بالاجهزة المعنية اقليمياً ودولياً وأكدت قيام تحركات دبلوماسية وجهوداً دولية على مستويات مختلفة يجري الإعداد لها بالتشاور مع رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية والجهات ذات الصلة لابتعاث مبعوثين بهدف شرح موقف السودان ودواعي تجميد تنفيذ اتفاقيات التعاون بجانب كشف دعومات حكومة الجنوب لحركات التمرد، بالاضافة لما حملته تسريبات حكومية باحاطة مجلس الامن علماً خلال جلسته المغلقة الخميس الماضي بحجم الدعم الذي تقدمه جوبا للحركات في السودان، فيما لم يتسنِ ل(الرأي العام) تأكيد ذلك من مندوب السودان الدائم بمجلس الامن والامم المتحدة. وفي الأثناء، عقد الرئيس عمر البشير أمس اجتماعا موسعا بالقصر الجمهوري استمر لاكثر من ساعتين، وبحث ترتيبات الحكومة لمواجهة تداعيات قرار وقف تنفيذ اتفاق التعاون المشترك مع دولة الجنوب، في المقابل استدعت الخارجية سفراء واشنطن وبكين وموسكو، لابلاغهم بمبررات القرار، كما قامت في سابقة الاولى من نوعها منذ تسميته سفيراً لجوبا تم استدعاء سفير جوبابالخرطوم لإبلاغه رسميا بقرار الحكومة، وطبقاً لمصادر (الرأي العام) أن الاجتماع الرئاسي ضم نائبي الرئيس ومساعديه، اضافة الى وزراء المالية والخارجية والعدل والدفاع والداخلية ورئاسة الجمهورية ومدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني ورئيس هيئة الاركان المشتركة وسيد الخطيب وادريس محمد عبد القادر عضوي وفد التفاوض مع دولة الجنوب. حملة دبلوماسية حملة الخرطوم الدبلوماسية وتوضيحاتها على المستويين الاقليمي والدولي ، بدت واثقة الخطوات لجهة استنادها إلى أدلة دامغة حملتها تصريحات مدير الامن والمخابرات محمد عطا المولى، بالاضافة لافادات د.أحمد بلال عثمان وزير الاعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة في مؤتمر صحفي قبل يومين، ونقل عطا خلاله استنادهم على تقرير اليونيسفا بعدم انسحاب الجيش الشعبي من 6 مواقع سودانية وحدد سماحة ومحطة بحر العرب والادهم والجبر وغيرها واعتبرها مناطق محتلة، حيث يتم تدريب عسكري نوعي للقوات على بعض الاسلحة الكبيرة كالمدافع، وتدريب يشمل أنواعا أخرى لتقوية الحركات مثل العمل الاستخباراتي وعلى العمليات الخاصة . ودلل الرجل على دعم جوبا باخلاء جرحى الى الجنوب في مستشفيات بالعديد من المدن وقال( حالياً يتم ذلك) بالاضافة لتقديم تسهيلات للحركة للقيادات السياسية وتوفير المعلومات وربطهم بالاخر أي تقديم دعم سواء سياسي أو لوجستي . وحدد عطا المولى اسماء بعينها لالتقاط الدعم وتوصيله الى الجبهة الثورية وقال(هناك اشخاص في جوبا موجودين نيابة عن الحركة لتلقي الدعم ، وعزت كوكو على سبيل المثال موجود نيابة عن جنوب كردفان يتسلم الدعم ويقوم بإرساله، وآخر دعم تحرك يوم الجمعة في تناكر وقود، ويتوقع دخولها أمس أو اليوم، وتتمثل مهمة عزت في تسهيل حركة الدعم اللوجستي للجيش الشعبي، ليتسلم الامر جقود مقواد قائد القوات في الحركة بعد انتقال عبد العزيز لقيادة قوات الجبهة الثورية). وكشف عطا عن استمرار دعم جوبا للجبهة الثورية ايضاً خلال الاسبوعين ، وان آخر دعم كان 100 برميل وقود تحركت من الوحدة يوم الجمعة ، ويتخذ طريقة أخرى بهدف اخفاء الدعم ظنا بوجود جواسيس بالجبهة لذا سيتم توصيل الدعم الى طبانيا والدار المجاورتين لطروجي في جنوب كردفان ثم تأتي الجبهة لاستلامها، وتشرف على دعم الجبهة الثورية استخبارات الجبهة الثورية. ازاء سيل المعلومات المتدفق أردف عطا بانه كان لابد من اتخاذ القرار واردف(سننفذ القرار ونصب اعيننا على مصلحة البلاد والشعب وفي سبيلهما يمكن أن نمضي للامام وسنتحمل مخاطره). سلسلة الادلة التي اشار اليها عطا لخصها في العربات واستيرادها وارقامها والسلاح وارقامه، بالاضافة لشهادات الاسرى والجرحى في مستشفيات الجنوب والصرفيات والاذونات من المخازن والصور وشهادات آخرين اقرب لجوبا، بالاضافة لتسجيلات بين قيادات في الجنوب وقيادات ميدانية بالاضافة لاعتراف جون كيري بدعم جوبا للجبهة، بدت كرصيد تستند إليه الخرطوم في احراج المتعاطفين مع جوبا طيلة الفترة الماضية وهي تنوي عرضها على المجتمعين الدولي والاقليمي. حراك جوبا جوبا في المقابل لم تلتزم الصمت حياء أو خجلاً من تورطها في الأمر أو عدم استشعارها المسئولية تجاه تهديد العملية السلمية بين العاصمتين، فحملت أولى ردود الفعل نفياً كلياً لكل اتهامات الخرطوم، قبل أن تستعيد توازنها من هول معلومات ووثائق وأدلة الخرطوم ، وتعود لصوت الحكمة بتجديد مجلس وزراء جنوب السودان في اجتماع استثنائي عقد قبل يومين برئاسة الرئيس سلفا كير ميارديت استغرق نحو خمس ساعات، تمسكت فيه حكومة الجنوب بتنفيذ اتفاقيات التعاون الموقعة مع الخرطوم وعدم العودة لمربع الحرب، ونقلت تقارير اعلامية عن برنابا مريال بنجامين وزير الإعلام، الناطق باسم حكومة الجنوب عقب الاجتماع، التزام حكومته بتنفيذ كافة الاتفاقيات التي تعهدنا بتنفيذها كاملة امام المجتمع الدولي والاقليمي، وقال إن جنوب السودان سوف يحتج لدى الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة على قرار السودان بشأن وقف ضخ نفطه. حديث جوبا في امتصاص غضب الخرطوم ودبلوماسيتها ازاء الموقف انتقلت سريعاً لما هو متوقع بحسب خبراء أمنيين تحدثوا ل(الرأي العام) فبادرت هي الأخرى لاتهام الخرطوم بالتوغل لمسافة نحو (10) كيلو مترات في ولاية أعالي النيل، ونقلت تقارير اعلامية عن حكومة وجيش الجنوب اتهامه للقوات السودانية بالدخول إلى منطقة كانت القوات الجنوبية انسحبت منها في الآونة الأخيرة لتشكيل منطقة منزوعة السلاح بين الجانبين لتدعيم الاتفاقيات الأمنية الهشة، وحدد العقيد فيليب أقوير الناطق باسم الجيش الشعبي، توغل القوات المسلحة السودانية ، بخرق اتفاقية الترتيبات الأمنية بتوغلها في منطقة (كويك) بولاية أعالي النيل أمس الأول، من جانبه دحض العقيد الصوارمي خالد سعد الناطق باسم القوات المسلحة، إدعاءات الجنوب بتوغل الجيش السوداني داخل أراضي الجنوب في منطقة الكويك بأعالي النيل، وقال إن ذلك لا أساس له من الصحة، واضاف بأن هذه المزاعم تأتي لتغطية خروقات جيش الجنوب للاتفاقية، وجاءت رداً على اعلان الفريق أول مهندس محمد عطا المولى مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني بأنه في الوقت الذي اكمل فيه السودان انسحابه وفقا للاتفاقيات الموقعة مع الجنوب لا يزال الجيش الشعبي يحتل ست مناطق سودانية. من جانبه جدد الرئيس سلفاكير التزامه بالسلام في مؤتمر عقد بجوبا، ونفى فيه دعم جوبا للمتمردين على الخرطوم، وقال : لا ندعم أية مجموعات متمردة ضد الخرطوم ولا نملك أي إمكانيات مادية لدعم أحد، وأضاف: أود أن أؤكد لشعبنا بأنه ليس هناك اتصال مع شمال السودان لكننا لم نوقف أي اتفاق بيننا. وأكد أنهم مستعدون لمناقشة جميع المشاكل مع الخرطوم، وقال: نصحت الرئيس البشير بأن يتحاور مع المتمردين ليتم التوصل للاتفاق معهم، و إن كانت هناك أسلحة مع المتمردين فقد أتت من شمال السودان. حياد الوسطاء من أديس ابابا نقلت مصادر مقربة من الدوائر الرسمية الاثيوبية ل(الرأي العام)استماع رئيس الوزراء الاثيوبي لوزير الخارجية السوداني، وأن رئيس الوزراء الاثيوبي ابدى اهتمامه بما نقلته الخرطوم، كاشفاً عن التزامه جانب الحياد كوسيط افريقي باتاحة الفرصة للطرف الجنوبي للاستماع لرأيه في الاتهامات، وكشفت المصادر التقاء كرتي بمفوضة الاتحاد الافريقي وبرمضان العمامرة مفوض الامن والسلم الافريقي كلا على حدة ، وتوقعت ان يلتقي كرتي في وقت لاحق نظيره الاثيوبي، بالاضافة لحرص وسيط الايقاد على الاستماع لوزير الخارجية السوداني. من جانبه قطع محمد طه توكل مدير مركز الدراسات بأديس ابابا أن الحراك الدبلوماسي السوداني يعد أخطر محاور ما بعد القرار ، لجهة أنه قرار مفاجئ ولم تسبقه أية رسائل مباشرة للخارج باستثناء جوبا، بالتالي أهميته تبدو في ابراز أهمية التصعيد الذي تبنته الخرطوم بقرارها واضاف ل(الرأي العام): (تحرك الخرطوم السريع والحاشد من الضرورة بمكان لأن الخرطوم دائماً هي الملامة والمتهمة بوضع العراقيل واتخاذ المواقف المتشددة ، بالتالي فتحها لتوضيح الامر وتقديم الادلة خطوة موفقة). توكل يذهب الى أن السباق المتفجر بين الدبلوماسيتين الخرطوموجوبا في اتهام كل منهما الاخرى، يتيح للوسطاء تقدير الموقف بالتالي سرعة التحرك لانقاذ الموقف .. ويرى أن الجنوب أخطأ في المرة السابقة باتخاذ قرار اغلاق الانبوب وأصبح يسدد فاتورة الخطأ بأثر رجعي ، بالتالي فان تكرار الامر يعد كارثة بكل الحسابات وقال (من المهم السماح للحكمة الافريقية باهمية العودة للحوار والتفاوض). ضمانات إقليمية الخرطوم قبل تدشين حملتها كشفت على لسان ناطقها الرسمي أنها لن تتراجع عن قرارها المعلن الا بعد توافر ضمانات اقليمية ودولية تبث الاطمئنان، الامر الذي اكده المحلل السياسي والناشط الارتري توكل، لجهة أن خطوة التطمين تعد ضرورية لامتصاص احتقانات الخرطوم وقال: (الضمانات بالاصل متفق عليها والا لما وجدت قوات حفظ السلام ، فقط ملفات دعم المعارضة في كل دولة هو الملف الذي يحرص الوسطاء على حسمه لجهة تأثير ذلك على استقرار الدولتين وامكانية نسفه، وابان ان التفاوض أوصى باهمية مفاوضة المجموعات حاملة السلاح في كل دولة للوقاية من الهزات، بالتالي ما يحدث حالياً ناقوس خطر للوسطاء) وتوقع توكل في المرات القادمة ستصطحب الوساطة مخاوف الخرطوم وشكوكها وستضعها في الاعتبار ، حرصاً على التهدئة ، واكد أن اولى القرارات ستصدر بايقاف التصعيد الاعلامي والتهدئة ، فيما كشفت المصادر عن جولة متوقعة للعاصمتين يقوم بها الوسيط الاممي لانقاذ الاتفاقات. الجنوب بدا محكوماً بكونه دولة وليدة تحتاج دبلوماسيته للاستعانة بحلفاء الحزب الحاكم لا الدولة لتوضيح الموقف من جهة ولنفي اتهامات الخرطوم من جهة أخرى، وهو الامر الذي يستبعده المراقبون لجهة انها المرة الاولى التي تبادر الخرطوم بكشف ادلتها على الاتهامات ما يحرج حتى حلفاء جوبا، وربما ذلك ما يجعل الخرطوم تكسب السباق ، باجبار الحركات المسلحة على التهدئة وهو الهدف الاستراتيجي للخرطوم المنهكة من غضبة أبنائها..