حبيبات الجنود الغائبين خلف سحابات الدخان هناك خلف المدينة .. كنت انتظر بلهفة قطارات العائدين بالنصر و بخوف .. المقطورات المحملة بالجثث و الجرحى و بصدق .. كنت أقول بأنه لو أسوأ ما يمكن أن يحدث .. إن جاءوا إلي بذراعك كآخر ما تبقى منك كنت سأحتفظ به و أحبك للأبد .. و كنت أغار من تلك الطبيبة التي تعالج ساقك بابتسامة شاحبة من وجه ملوث بالحزن و الهلع .. و كنت ابتسم أمام المدفأة حين أراك في الليالي الصافية .. تتوسد ذراعك و تخرج صورتي الصغيرة المجعدة بالعرق .. تقبلها ثم تريها لصديقك ذي العين الواحدة و تقول بفخر .. هذه حبيبتي . . بكل ذاك الحب كنت انتظرك .. و أقرأ رسائلك المملوءة بالشوق و عطر يديك المتعبة .. و على طرفها ا?خير .. مطبوعة قبلة من شفتيك التي تمسحها بالوحل ?جلي .. أقرأها كل يوم تحت ضوء الرتينة الخفيض و أضمها لصدري ولا أفزع حين تضرب الريح بابي فتغلقه مصدرة ذاك الصوت الرهيب .. تماماً مثل حبيبات البحارة .. اللواتي تدمن الشواطئ ملح أرجلهن الحافية من كثر ما غدت و راحت عليها بانتظار سماع أناشيد البحارة العائدين بأسماك السلمون و التونة الضخمة و ربما بعض اللآلئ و ربما قطع أثرية من سفينة إغريقية غارقة منذ مئات السنين .. حبيبات البحارة يصادقن النوارس و ا?سماك الصغيرة و رطوبة الجو و رزاز الموج على وجوههن و صدورهن و على سيقانهن العارية بفعل الريح حين تلعب بتنانيرهن البيضاء .. مثلهم تمامآ انتظرتك بكل الشوق .. بكل الصبر .. بكل الخوف .. و ها أنت تجيئ من خلف الشمس كظل أسود يتأبط ذراع حسناء غير متعبة بالحنين .. لم أقل شيئاً لكن هل تعرف .. كم لغما انفجر بقلبي ؟ كم بحرا جف بأوردتي ؟ و النورس المسكين مات على كفي .. لا تحزنني أنت .. ولا نفسي .. حزينة جدا على النورس .. مسكين هو و بندقيتك .