قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه «لو أن دابة في أرض العراق تعثرت لسئلت عنها يوم القيامة» فالحاكم مسئول عن كل رعيته وفي كل شبر من أرض الوطن، بل هو مسئول عنهم حتى في أسفارهم خارج البلاد ومسئول عن سلامتهم وتوفير الأمان والطمأنينة لهم والحاكم الذي يفشل في درء المخاطر قبل حدوثها فهو غير جدير بذلك الحكم وليس أمامه غير الإعتذار، فبالأمس القريب لقى إثنا عشر من الراغبين في التقديم لحج هذا العام مصرعهم بمدينة القضارف في أكبر مأساة تشهدها الولاية بعد سقوط حائط على أجساد المواطنين الذين احتشدوا في ذلك الصباح الباكر أمام المنفذ الوحيد الذي حددته الولاية للتقديم للحج والذي إكتظ بأكثر من سبعة آلاف مواطن ومواطنة يحاولون جميعهم وبقوة الدخول للمبنى عبر بوابة صغيرة وواحدة مما أدى إلى انهيار الحائط و سقوط قتلى في وقت واحد بينهم عشرة من النساء وطفلة وشاب، ولقى بعضهم حتفه «دهساً» بالأرجل أثناء الاندفاع نحو المدخل الوحيد الذي يؤدي للمسئولين عن إدارة الحج والعمرة في تلك المدرسة الثانوية التي اختارها المسئولون كموقع وحيد لذلك العدد المهول من المتقدمين لأداء الفريضة، وأثار مقتل أولئك المواطنين الأبرياء استياء كافة شرائح المجتمع السوداني وطالبت معظم الأجهزة الإعلامية بإقالة وزير الرعاية الإجتماعية والإرشاد بالولاية باعتباره المسئول الأول عن ذلك الحدث، وفي اجتماع طارئ للمجلس التشريعي لولاية القضارف وبعد ان أصدر قراراً بتكوين لجنة تحقيق لمحاسبة المتسببين في تلك الكارثة طالب المجلس الوزير المختص بتقديم استقالته فوراً بدلاً من توجيه والي الولاية بفصله إلا أن السيد الوزير المحترم رفض ذلك القرار مبرراً ما حدث بأنه قضاء وقدر وهو مؤمن بالقضاء والقدر الذي تسبب في قتل اولئك البسطاء الأبرياء دون اكتراث لكل الأخطاء الإدارية التي عمت بصيرة كل أركان وزارته في تحديد مواقع مختلفة للمتقدمين للحج حفاظاً على سلامتهم وتسهيل ويسر لأداء الموظفين والأجهزة الأمنية وفي نهاية الأمر يرفض الوزير تحمل المسئولية ويرفض الاستقالة ويعزي كل ذلك الإخفاق للقضاء والقدر، ونحن من جانبنا نؤمن تماماً بالقضاء والقدر لكن سيدنا رسول الله «صلى الله عليه وسلم» قال «إعقلها فتوكل» أي يجب علينا ان نحتاط ونتجنب الكارثة بالعمل على توفير كل وسائل السلامة حتى لا نختبئ خلف القضاء والقدر ونحن المخطئين فالمسئولية في ذلك الحادث المأساوي البشع لا تقع على كاهل الوزير المختص وحده بل تشمل حتى والي الولاية الذي أتى بذلك الوزير الذي أتى بهيئة للحج والعمرة التي يجب أيضاً إقالتها فوراً فأرواح الأبرياء لا يمكن ان تضيع هدراً بذلك الإهمال الذي كان من الممكن تلافيه لو كان هناك أدنى اهتمام بسلامة المواطنين والسهر على راحتهم فبعد قولة سيدنا عمر رضى الله عنه وتحمله للمسئولية الكاملة لأحوال رعيته وسعادتهم فإن الوالي هو المسئول الأول عن المأساة الانسانية التي حدثت في ولاية القضارف، ففي الدول المتحضرة إن اصطدم قطاران ومات عدد من الأفراد نجد وبسرعة إستقالة وزير النقل امام رئيس الوزراء برغم انه ليس المتسبب المباشر في ذلك الحدث إلا أن المسئولية تصبح أمام الرأي العام تضامنية تستوجب المحاسبة الجماعية فلا بديل للذي حدث بالقضارف غير استقالة الوالي والوزير وكل من تسبب في تلك المأساة..