أفرجت الحكومة في أول أيام رمضان عن الفريق صلاح قوش، وأفطر الجنرال أول أيام الشهر الفضيل وسط أهله وأصدقائه من داخل الحكومة وخارجها، وفور الإفراج عنه قال الفريق قوش إنه سيظل يمارس عمله السياسي من داخل المؤتمر الوطني والبرلمان، ولم ينس أن يخص الرئيس البشير بكلمات طيبات في حقه. وبرهن الجنرال بما قاله في حق معتقليه عن كياسة ربما ألهمتها له ظروف الاعتقال التي تتوافر فيها للمعتقل لحظات للصفاء الذهني والارتياض الروحي ومراجعة الذات وهي لحظات تعين على تجاوز المرارات، وقد تكون هذه الكياسة بفعل الدربة والتجربة السياسية الطويلة التي لم يتوقع قوش أن تقوده يوماً إلى خلف القضبان ظالماً او مظلوماً. ولكن بعد أن بلغ قوش مأمنه، عاد الجدل من جديد بحثاً عن المسار الذي سلكته الحكومة، أو سلكته هيئة الدفاع عن قوش، وأفضى في النهاية إلى صدور قرار بالإفراج عنه.. البحث عن المسارات التي أنتجت قرار الإفراج يعني الإجابة على هذه التساؤلات: هل كان قرار الإفراج سياسياً بحتاً يتعلق بسلطة رئيس الجمهورية أم أن الإفراج كان ذا صبغة قانونية؟ وهل تم بناءً على سلطة وزير العدل وفقاً لما تمنحه له المادة (58) من قانون الإجراءات الجنائية كما قال المدعي العام لجمهورية السودان أم لعدم كفاية الأدلة كما قال قوش نفسه؟ ذكرتني هذه التساؤلات بعمود مميز للكاتب الصحفي عثمان ميرغني كتبه قبل حوالي خمس سنوات يتحدّث فيها عن المادة «58» من قانون الإجراءات الجنائية، ويقول نص المادة (يجوز للنائب العام في أي وقت بعد اكتمال التحري وقبل صدور الحكم الابتدائي في الدعوى الجنائية أن يتخذ قراراً مسبباً بتوقيعه بوقف الدعوى الجنائية ضد أيِّ متهم ويكون قراره نهائياً ولا يجوز الطعن فيه وعلى المحكمة عندئذٍ أن توقف الإجراءات وتصدر الأوامر اللازمة لإنهاء الدعوى الجنائية). رغم أن الأستاذ عثمان ميرغني علق وقتذاك محذراً من خطورة هذه المادة وطالب وزير العدل (أي وزير عدل) أن يُحكِم ثغرة التقديرات بحيث يُسبِّب قرار وقف الدعوى الجنائية بأعلى مفردات المصلحة العامة، و تخوف من سوء استخدامها بالقول (أرجوكم افتحوا أعينكم جيداً هذه الأيام.. وخلال الأيام القادمات.. هذه المادة العجيبة.. المادة (58) على وشك أن تُستخدم).. ولكن هذه المرة (جات في السليم أخي عثمان) وتم استخدام المادة «58» في وقتها وظرفها سواء لتقديرات سياسية خاصة بالحكومة أو لعدم كفاية الأدلة.. (المهم البركة في المادة).