تجتهد الحكومة (اجتهاداً غير موفق) في محاولة لسداد الدَّين الخارجي عليها والبالغ أكثر من أربعين مليار دولار، اجتهاد الحكومة غير الموفق يتمثل في الالتزام بسداد مبلغ شهري - كما نقل الزميل سنهوري عيسى رئيس القسم الاقتصادي - يبلغ حوالي خمسة ملايين دولار. تدفع الحكومة هذه الحفنة من الدولارات (وهي حفنة فعلاً إذا ما قُورنت بأصل الدَّين وفوائده)، رغم أنها لا تتعشم في يوم المخالصة النهائية مع صندوق النقد الدولي ونادي باريس والجهات الدائنة.. هي لا تتعشم في هذا اليوم لأنه ببساطة لن يأتي.. ولن يتمكن السودان بواسطة هذه الدفعيات المتواضعة حتى من تغطية أصل الدَّين، دعك من فائدته التي ترتفع بمرور الزمن. لكن يبدو أنّ هذه الدفعيات تنطوي على رمزية تحمل معنى التزام السودان بسداد دَينه الخارجي، أو أن تكون نتيجة اتفاق بين الحكومة والدائنين على جدولة الدَّين والاكتفاء بهذا المبلغ البسيط بالنظر إلى الحالة الاقتصادية لبلد كالسودان لا تتوافر به احتياطات نقدية كبيرة، أو صادرات تعود عليه بمبالغ ضخمة من العملة الصعبة. اتفق مع النصيحة التي أوردها الأخ سنهوري على لسان أحد وزراء المالية السابقين والتي دعا فيها الحكومة للتوقف عن دفع الخمسة ملايين دولار الشهرية، رغم تبريره الفكاهي الذي قال فيه إنه لا توجد حكومة في العالم تم إيداعها في السجن لعدم السداد. الحكومة تعلم أنها لن تستطيع أن تسدد ديون السودان الخارجية عن طريق هذا القسط الشهري البائس الذي يشبه محاولة موظف حكومي غلبان سداد قسط فيلا فاخرة بمليارات الجنيهات في قاردن سيتي أو كافوري أو أراك سيتي. عملية الاقتراض والسداد بالنسبة للدول فيها كثيرٌ من السياسة وغير قليل من الاقتصاد.. والسودان ليس استثناءً من هذه القاعدة، فالسياسة الخارجية لحكومة ما تلعب دوراً مهماً في حصوله على القروض من الدول والصناديق المالية الدولية، وكذلك عملية الإعفاء من هذه الديون لا تتم بعيداً عن هذه القاعدة، (طبعاً لا مجال للحديث عن الهبات والمنح التي فارقت ميزانية السودان منذ سنوات طويلة). السياسة والعمل الدبلوماسي هما من الوسائل التي قد تفلح في تخفيف ديون السودان أو شطبها كليةً، وقد كادت الحكومة تحرز هذا الهدف بتوقيع اتفاقية السلام الشامل مع الجنوب، ولكن للأسف تم تغيير قوائم المرمى في لحظة التهديف.