(37) قرية في محلية أم القرى بولاية الجزيرة، غمرتها السيول والأمطار وحاصرتها من كل جانب، واختلطت مياه الأمطار بمياه المراحيض، وفي القرية (38) كان الوضع أكثر مأساوية بعد أن اختفت من الوجود وأصبحت تحت المياه، واحتاج الأمر إلى اتخاذ قرار سياسي شجاع بترحيل المواطنين إلى خارج المنطقة، وفي ظرف ثلاثة أيام تم إنشاء قرية وتهجير المواطنين إليها، إلا أنهم يواجهون معاناة جديدة مع تكاثر البرك والمستنقعات المليئة بالمياه، وتخوف الكثيرون من حدوث كارثة صحية وانتشار الملاريا والاسهالات المائية فى الجزيرة باعتبارها ثاني ولاية تأثرت بالسيول والأمطار لوجود البرك وتجمعات المياه. وكان لابد من وضع احترازات ومعالجات من خلال التدخلات الصحية، خاصةً الرش بالمبيد ذي الأثر المتبقي كإحدى توجيهات منظمة الصحة العالمية، وسارعت السلطات الصحية في ولاية الجزيرة بتدشين حملة الرش بالمبيد ذي الأثر المتبقي والتي استهدفت أكثر من مليوني مواطن و(364) ألف منزل بمشاركة (283) مشرفا ولائيا و(8) مشرفين اتحاديين بتكلفة (23) مليون جنيه. ويعتبر المبيد ذو الأثر المتبقي من أهم إستراتيجيات مكافحة الملاريا، ومنذ عهود سابقة تم استئصال الملاريا في أوروبا وأمريكا عن طريق الرش بالمبيد ذي الأثر المتبقي مستخدماً مبيد ال (دي دي تي). ويرى د. صخر البدوي مدير برنامج الملاريا بوزارة الصحة ولاية الجزيرة، أن الخريف يمثل ذروة الاصابة بالملاريا، ولذلك تم وضع ترتيبات مبكرة للتحسب لطوارئ الخريف، التي تشتمل على توفير المعينات والمبيدات والإمداد الدوائي في كل المؤسسات الصحية وقرى المعالجة المنزلية والفحص السريع، وتمّ وضع آليات لمتابعة الإمداد المائي، إضافةً لتنفيذ حملة الرش بالمبيد ذي الأثر المتبقي والتي تنتظم جميع أنحاء الولاية بهدف تقليل الإصابة بالملاريا والحميات النزفية في فترة ما بعد الخريف وحماية المواطنين، وأوضح ل (الرأي العام)، أنه تم الإعداد المبكر للحملة التي تستمر لمدة شهر، وتوقع أن تتم تغطية المناطق المستهدفة بنسبة (85%)، وأكد أن المبيد المُستخدم غير ضار ويتميز بالفاعلية لقتل البعوض والحشرات الأخرى. ولما كان من الأهمية مواصلة الرش بالمبيد ذي الأثر المتبقي في المناطق المروية لمحاصرة انتقال مرض الملاريا بعد أن وفق السودان في كسب الجولة العاشرة لصندوق الدعم العالمي الذي يحتوي على ميزانية تشتمل على تنفيذ دورة رش واحدة بولاية الجزيرة لمدة خمسة أعوام. ووصف د. الفاتح مالك وزير الصحة بولاية الجزيرة، الحملة بأنها الأكبر منذ تأسيس مشروع النيل الأزرق الصحي في الثمانينات باعتبار أنها تشمل جميع القرى بنسبة (100%) وبمشاركة ألفين من العمال مقارنةً مع الحملات للرش، التي كانت تستهدف (85%) من السكان، وقال إنّ الحملة تأتي في ظل الظروف التي تمر بها الولاية وتشتمل على (178) مؤسسة صحية، وأضاف: لم يصلنا حتى الآن أيِّ بلاغ حسب التقارير الأسبوعية التي ترصد (24) مرضاً وبائياً سواء الملاريا أو الإسهالات المائية. وتوقع مالك حدوث زيادة في الإصابات بالأمراض التي ترتبط بالحشرات مثل الملاريا، لكنه توقع عدم حدوث زيادة مزعجة إذا تم تنفيذ التدخلات التي تم الترتيب لها، وقال إن حملة الرش بالمبيد ذي الأثر المتبقي تحد من انتشار الملاريا والأمراض المنقولة بالحشرات، اضافةً الى التدخلات الصحية الأخرى من توفير علاج الملاريا المجاني بجانب التدخلات الاخرى بالرش الضبابي ومكافحة الطور المائي، وتتم حسب الظروف الوبائية في كل محلية، وأضاف: حالياً لا توجد زيادة تُثير القلق في معدلات الإصابة في المناطق المتأثرة بسبب الإجراءات السريعة التي تم اتخاذها قبل ان يتفاقم الوضع، ونوه الى أنه سيتم إجراء حملة رش بالطائرات في مناطق محدودة بمدينة ود مدني، خاصةً المناطق التي يصعب الوصول إليها من خلال حملات العربات وفي طول الشريط على ضفاف النيل. ونفى د. الفاتح وجود أية حالات للإصابة بالتايفويد الوبائية، وكشف عن اشكاليات تتعلق بالتشخيص لمرض التايفويد حسب الدراسات التي أُجريت في ولايتي الخرطوم والجزيرة، وتوجد حالياً جهود كبيرة للارتقاء بصحة البيئة في الأسواق من قبل المعتمدين للسيطرة على الموقف، وقال: من جانبنا تم توفير المبيد الخاص بمكافحة الذباب، ومع تكثيف الجهود من المتوقع أن تنحسر كثافة الذباب، وعادة التعامل مع الخضروات والفواكه من قبل الأُسر داخل المنازل يتطلب التعامل بحذر مع كل الأغذية. والمتابع يجد أنه حدث تقدمٌ كبيرٌ في مكافحة الملاريا في أفريقيا والدول النامية، وكان السودان سباقاً في برامج مكافحة الملاريا وملتزماً بالمبادرات العالمية وفق مقررات أبوجا، وحقق أهدافاً فاقت المستهدف بخفض حالات الاصابة والوفيات بالملاريا بنسبة أكثر من (50%) و(60%) على التوالي. وأكد د. عبد الله حمد السيد ممثل البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، التزام الصندوق بدعم برامج مكافحة الملاريا، وقال إنّ الصندوق يعمل على إدارة أنشطة الصندوق العالمي لمكافحة الملاريا والإيدز والدرن، ووجه رسالتين بضرورة الالتزام السياسي لضمان استمرارية الدعم والاستخدام الأمثل للموارد المتاحة، وكشف عن زيارة خبيرة دولية لمراقبة الأنشطة في السودان ورفع التقارير عن أداء السودان. وحسب التقارير الرسمية لوزارة الصحة الاتحادية، يتعرض (5) ملايين مواطن و(61) محلية سنوياً لمخاطر السيول والأمطار، ولذلك بدأ التحسب مبكراً للاستعداد لطوارئ الخريف بتوزيع معينات من المبيدات والفلاتر والكلور بتكلفة (22) مليون جنيه. حمودة تيوك مسؤول مكافحة نواقل الأمراض بوزارة الصحة الإتحادية قال ل (الرأي العام)، إنّه تم تكوين غرفة طوارئ تجتمع يومياً برئاسة وكيل الوزارة تستعرض التقارير للولايات والمناطق المتأثرة بالسيول والأمطار. وحالياً حسب التقرير الواردة لا توجد أية بلاغات عن أمراض وبائية، ولكن نتوقع ظهور بعض الاشكاليات الصحية خاصة الملاريا بعد أن تنحسر المياه وتظهر البرك المتقطعة، وأكد أن الوضع الصحي مستقر حالياً، إلا أن الرش بالمبيدات لا يحدث جدوى إذا لم يتم التخلص من النفايات، خاصةً وأنّ الوزارة أجرت التدخلات الصحية في المراحيض من خلال دفنها بنسبة (30%)، والتدخل الآخر من خلال إضافة الفورملين لتجنب توالد الذباب والبعوض، كما تم توفير (100) عيادة طوارئ في المناطق المتأثرة، ونوه لوصول أكثر من (2.5) مليون ناموسية مشبعة في ميناء بورتسودان سيتم توزيعها حسب البرنامج الروتيني، وكشف عن إستراتيجية جديدة لبرامج مكافحة الملاريا بعد ظهور نتائج مؤشرات المسح القومي للملاريا وأداء البرنامج خلال عشرة أعوام، ونوه إلى أنه سيتم التقديم لصندوق الدعم العالمي لدعم حملات المبيد ذي الأثر المتبقي في بعض المحليات بولاية النيل الأبيض.