في غمرة الاحداث الكثيفة المتلاحقة، ينبهنا العالم البروفيسور ورئيس جمعية اختصاصيي الطب الباطني السودانية البروفيسور مامون حميدة الى ان مستشفى الخرطوم قد اكمل عامه المائة (1909 - 2009م)، ويلفت انتباه وزارة الصحة وكلية الطب جامعة الخرطوم للاحتفاء بهذه العراقة في الطب والعلاج ولبعث الأمل والتصميم في نفوس الذين قنطوا من تقدم الخدمات الطبية والعلاجية والصحية والوقائية في السودان، فالسودان قاد الابحاث الطبية في طب المناطق الحارة منذ العام 1902م بانشاء معمل ويلكم في كلية غردون بعد ان اذهله حجم ومشهد مرضى الملاريا وهم يحتضرون، وعين الطبيب البريطاني الاشهر اندرو بلفور مديراً للمعمل ثم كمدير لصحة الخرطوم والاضطلاع بمسؤولية مقاومة جيوش البعوض واجتثاثه، ولداء الملاريا ودحرها، ويفيدنا البروفيسور مامون حميدة بأن السودان سبق جميع الدول الافريقية في التقدم الطبي بحثاً وعلاجاً، ويكفي ان اول دفعة من الاطباء والذين شهد لهم بالنبوغ والمقدرة العلمية، قد تخرجت في كلية كتشنر الطبية في العام 1928م: (د. علي بدري ود. داؤود اسكندر ود. أحمد عكاشة ود. فاضل البشرى ود. محمد الأمين السيد ود. النور شمس الدين ود. الطاهر يوسف) احتلت مستشفى الخرطوم مكاناً وموقعاً مرموقاً ومتقدماً في خارطة الخدمات الطبية بالسودان، وكان السودان رائداً في أبحاث أمراض المناطق الحارة، وتبوأت مستشفى الخرطوم بعد الاستقلال 1956م، مكانة مرموقة ومميزة في وزارة الصحة ولا يصل الى قمة ادارتها إلاَّ من كان في مرتبة وكيل وزارة الصحة مما يعني الاهمية القصوى، ومن أشهر المديرين د. عبد الحليم محمد أول من نال التخصص البريطاني و(الزمالة الملكية) في الامراض الباطنية وفيما بعد عضو مجلس السيادة، وشهدت المستشفى في عهده الزاهر انضباطاً ونظاماً، ونظافة، وخضرة، وادارة واداء جيداً في تقديم الخدمات الطبية والعلاجية، وقد روى د. حليم انه كان يقف في الباب الرئيسي قبل خمس دقائق من الساعة السابعة صباحاً اي قبل موعد بدء العمل إمعاناً في المتابعة والانضباط، ورغم ان العلاج الطبي والادوية كانت بدائية إلاّ انه جهد وتفاني الاطباء ودور التمريض في العناية والمتابعة والنظافة والنظام فان المرضى بفضل تلك الجهود المزدوجة وجدوا العلاج والشفاء من كثير من العلل والامراض، بل ونتيجة لتميز مستشفى الخرطوم وكفاءتها في الرعاية والعلاج والانضباط، فإن الدولة كانت تضع زيارته في برنامج اي رئيس أو ملك او امبراطور جاء للسودان، وفي الوقت الذي يختاره، وقد زاره الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود والرئيس اليوغسلافي تيتو، ورئيس وزراء الهند ومؤسسها نهرو، ورئيس غانا كوامي نكروما والاميرة البريطانية آن، والامبراطور هيلاسلاسي، والاخير ذهل من المستوى الرفيع لدى زيارته لمستشفى الخرطوم، وقد استقبله الدكتور عبد الحليم محمد، وطاف به اقسام المرضى، ووجدهم على اسرة بيضاء يتناولون الغذاء الجيد لحوماً بيضاء أو حمراء، وفاكهة وخضاراً، ثم زار القسم الجنوبي (V.I.P) فوجد قاعة استقبال للضيوف والزوار، والزهور أمام الجناح، والمقاعد الوثيرة والحراك النشط للعاملين بأزيائهم الانيقة، وسأل الامبراطور هيلاسلاسي عبر سفيره ملس عندوم ان كانت الوجبات الغذائية التي قدمت للمرضى في الاجنحة العامة، أو الجناح الخاص قد تزامنت مع زيارته؟ فرد عليه مدير المستشفى د. عبد الحليم محمد، بأنه قد ابلغ بزيارة الامبراطور قبل زمن وجيز من مجيئه وان الوجبات تعد في وقت مبكر وبعناية فائقة وفي وقتها المحدد لان الغذاء عنصر مهم في الصحة والعلاج، أما بالنسبة للحراك النشط للعاملين في المستشفى، فكل واحد يؤدي عمله طبقاً لبرنامج ومهام الطب والعلاج تجاه المرضى، وان المستشفى يقدم هذه الرعاية والخدمات بالمجان لكافة المرضى.