رأيت أن كلمة أقباط السودان التي يوصفون بها لا تعبر تماماً عن مضمون الذي أود كتابته. ظلالها أنها تضع الأقباط وكأنهم ملك للسودان وليسوا من ملاك السودان والثاني أنها توحي وكأنهم أمر خارجي لكل قطر ودولة منهم نصيب هم منا ونحن منهم لهم حق المواطنة الذي لنا وعليهم واجب المواطنة الذي علينا. الأيام الماضية عبرت جموع من أهلنا الأقباط عن فرح كبير وواضح بتقلد نيافة الأنبا صرابامون أسقف كرسي عطبرة وشمال السودان وبورتسودان لوسام النيلين من الطبقة الأولى والذي كرمه به السيد رئيس الجمهورية في أعياد الإستقلال المجيد. توقفت عند هذه الفرحة الواضحة والبينة من جموع الأقباط و هم يعبرون تعبيرات رقيقة وعطرة وجياشة من خلال الصحف اليومية. يعبر أفراداهم وشركاتهم وتجارهم عبر صفحات مدفوعة القيمة مقدما ومن وراء هذا الفرح يلمح المرء من طرف خفي عتبا خفيا من الأقباط على كل الأمة السودانية أنها لا تذكرهم إلا لماما وأنها طائفة ليست بذات مطالب ومواقف تريد لها ثمنا بل هم مواطنون يريدون أن يعبروا ويشاركوا في الحياة العامة. ويأسف الإنسان أن تمر أزمان يجد فيها الأقباط أنهم مدفوعون إلى ترك ديارهم والضرب في أقاصي الأرض في أستراليا وكندا والولايات المتحدة وغيرها من البلدان. وهم يتركون بلدهم إذ يشعرون أن ثمة توجهات وتعبيرات إسلامية تخيفهم على أنفسهم وحياتهم وتجارتهم. والحمد لله أن هذا التكريم يأتي من قيادة ذات توجه إسلامي ولكنه توجه يعبر عن الدين الحق الذي لا يظلم أحدا ويكرم كل أهل الأديان الذين هم إخوة في الوطن وملاكه. إن أهلنا الأقباط يشتهرون في التجارة ولهم فيها باع وتأريخ وسجل حافل تجدهم في الأسواق ولكن لا تجدهم في إعلانات الصحف التي (تسيل) العقارات التي عجز أصحابها عن الوفاء بما عليهم من ديون ولا تجدهم في إعلانات الذين يهربون بالأموال وينمو إلى علم القاضي أنهم (أخفوا أنسفهم) عمداً. في شندي تاجر قبطي وهو رجل يميل للصمت والعمل بيد أنه على علاقة طيبة بمعظم نساء المنطقة إذ يبيع لهن الإقمشة بالأجل ولكنه لا يكتب إسم التي تستدين منه ولا يحدد لها ميقاتاً لرد الدين بل لا يكتبه أبداً. كنت أحرص كلما ذهبت إلى شندي أن أدلف إليه محيياً من فرط التقدير له ولا أظنه يعلم إسمي إلى اليوم واسمه حزقيال. زيدوا فرح الأقباط بمستشار.