ليس لدينا حساسية ولا تحفظ في الجهر بالحق خاصة نحو الذين نحمل لهم في وجداننا وعقولنا مكانة خاصة من الاحترام مثل الجزائر التي كانت أنشودة نضالية صاغتها العبقرية السودانية شعراً ونغماً وموقفاً، ولذلك ننكر الذي شهدناه وسمعناه من سلوكيات بدائية خشنة ومؤذية، لقد جاءت طائرات تحمل في جوفها ثمانية آلاف جزائري وبظن حسن ومودة واخوة جاء قبول التفسير أنهم جاءوا لتشجيع الفريق الجزائري وهو أمر مشروع ومقبول، وتابعنا المباراة، وبالنسبة لي، فلأول مرة، أرى الاقدام تضرب بضراوة، ثم تعقبها ضربة رأس، أو دفع بالكتف او الركل، وقد أنكر الكثيرون هذه الخشونة الحادة في اللعب وفي مباراة حاسمة وفاصلة تدفع بأحد الفريقين الشقيقين إلى مباراة كأس العالم، وعندما أحرز الفريق الجزائري هدفاً توقعنا التهدئة والاطمئنان ومباراة أمتع فيما تبقى من زمن، ، ونشهد للاعبي الفريق المصري انه كان منضبطاً في لعبه وسلوكه ربما لعبه واداءه أقل مما كان متوقعاً، ولكنه التزم بقواعد اللعب المحترم، ثم فوجئنا بما نقل إلينا في منتصف ليلة الأربعاء وفجر الخميس بما لم يكن في الحسبان او التصور من تلويح بالمطاوي والسكاكين وقوالب الطوب ومحاولات التحرش والعنف مع الاشقاء المصريين مما أحدث الاسى والغضب والألم في النفوس، ثم اجتاحنا الحزن عندما نقلت إلينا صحيفة «الرأي العام» لقطات ناطقة تعكس نوعاً من العنف وشراسة غير مألوفة على الأقل بالنسبة للسودانيين الذين فتحوا صدورهم وقلوبهم لاستقبال حدث أخوي مميز فإذا به يتحول إلى ما يشبه الكارثة السلوكية، لقد حطموا كل أثاثات واجهزة ومعدات وخربوا كل ما وقعت عليه ايديهم. في صالة الحج والعمرة بمطار الخرطوم، لقد كانت الخسائر كبيرة وجسيمة لبلد كالسودان يعيش مصاعب جمة، ولقد اختارت «الرأي العام» لتفاصيل ما حدث في مطار الخرطوم «مباراة الجزائر ومصر.. المطار آخر الضحايا»، نحتاج لتذكير الجزائر وقد اوجعنا ما الحقوه بمنشآتنا، ان السودان كان أول من سجل في مضابط الأممالمتحدة في فبراير 7591م، ان الجزائر عربية افريقية وليست أوروبية، أو جزءاً من فرنسا التي كانت تحكمها بالحديد والنار، وتصدى بقوة للوفد الفرنسي الذي اعتبر قضية الجزائر مسألة فرنسية داخلية لا يحق للامم المتحدة التداول فيها، وكان السودان أول بلد مستقل استقبل في مايو 8591م، أول حكومة منفى جزائرية برئاسة عباس فرحات وقدم له من تبرعات شعب السودان أول دعم مادي لثورة الجزائر، وهو ايضاً - أي السودان- أول من اعتقل احد مواطنيه وتم تقديمه لمحاكمة فرنسية بتهمة تقديم السلاح للثورة الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي، ويمكن ايضاً التذكير بدور الشقيقة مصر التي اسهمت بقدر وفير في تأسيس دولة الجزائر برئاسة المناضل أحمد بن بيلا، والرئيس هواري بومدين، وأول من قدم الجزائر لرؤساء وقادة افريقيا في مايو 3691م باديس أبابا، السودان ومصر، وكان رئيس الجزائر آنذاك أحمد بن بيلا الذي تحدث بالفرنسية وكان مندوبا السودان ومصر يتوليان الترجمة بالعربية والانجليزية للقادة الافارقة، هذا الرصيد الاخوي المتجرد لم يؤخذ في الحسبان في الخرطوم، لقد كانت الأخوة قوية وغالبة وساندة، وكان السلوك والتعامل على مستوى الشعوب يستند إلى الأخوة والتعاضد والاحترام، إن مباريات كرة القدم محلية أو اقليمية أو عالمية فيها كر وفر ونصر وهزيمة، والحظ الأوفر والابقى لمن يحرز ويحوز الاحترام والتقدير من الجميع، وهذا ما نرجوه للفريق الجزائري العربي الافريقي في مباراة المونديال، لدى السودان ومصر والجزائر ما هو أهم من الكرة وتداعياتها دعونا نصوب جهدنا نحو ما يدعم الأواصر ويقوي الوشائج والتكاتف بين الجميع ونتجاوز ما دون ذلك.