الصدفة وحدها هي التي جمعتني بصديقي القديم القيادي البارز بالحركة الشعبية والوزير الذي يشغل الوزارة السيادية المهمة.. في صباح اليوم الثالث لعيد الأضحى المبارك.. في ذلك الفندق الفخم الذي يتوسط قلب الخرطوم وصاحب الاسم الرنان. كان صديقي يجلس مع اثنين من أصدقائه من أبناء الجنوب.. وصديقي هذا كنت أول من قدمته الى الشعب السوداني من خلال صحيفة «الصحافة» التي أشرفت على إشراقها الثاني في العام 9991م. الرجل مثقف.. وذرب اللسان ويجيد العربية كأهلها.. كان هادئاً كعادته.. وجلسنا.. وبادرته بالسؤال عن سير اجتماعات الشريكين.. قال لي.. لا جديد فيها.. ولا تقدم.. قلت له لماذا لا تقدمون الجديد؟.. ضحك.. وقال الموضوع منتهي.. قلت له كيف؟.. قال لي..الانفصال واقع لا محالة.. وهذا أمر اتخذناه.. ولا تراجع عنه.. وسوف نصبح إخوة وجيران وسيكون التعاون بيننا قائماً. قلت له.. وأين ستذهب الأعداد الكبيرة من أبناء الجنوب الذين يسكنون العاصمة.. وفي كل مدن السودان؟.. قال لي.. سنرحلهم الى الجنوب.. قلت له: حيث المجاعة والمرض؟.. قال لي: الحال سوف يتحسن كثيراً هناك بعد الانفصال. وسألته: متى سيكون الإنفصال؟.. قال بعد الاستفتاء مباشرة. ثم استطرد قائلاً: أنت تقول إن هناك (4) ملايين جنوبي في الشمال.. لكن الجماعة في الحكومة طلعوهم أربعمائة ألف فقط. قلت له.. لأن أورنيك الإحصاء أصم.. لا يسأل عن قبيلة المواطن.. وأنتم اعترضتم عليه وكذلك الأممالمتحدة. قال لي.. خلاص (4) ملايين، أربعمائة ألف ستذهب الى بلادنا.. وسألته.. بعد أن اشتريتم منازل في أحياء الخرطوم الراقية بمليارات الجنيهات؟ قال لي: أنا لم أشتر في الخرطوم... قلت له اشتريت أنت وفلان وعلان.. وسردت عدداً من الأسماء.. أما أنت فقد اشتريت كذلك منزلاً في أمريكا وآخر في أديس أبابا.. ونفى ذلك بشدة.. قلت له: ليس في السودان سر.. وكل شئ معروف عنكم وعن غيركم. قلت له: هل تستطيعون حكم الجنوب.. وسط الخلافات القبلية.. التي ستتحول الى حرب قبلية بجانب استشراء الفساد المالي هناك؟ ضحك الرجل.. وقال أنتم أهل الشمال علمتم أهل الجنوب أكل المال العام. قلت له.. نحن أهل الشمال افتقدنا الدكتور جون قرنق.. لأنه أثناء حياته.. لم يظهر أي تصريح نشاز.. ولم تظهر قيادات ذات نبرة عالية أو مشاترة.. لأن الدكتور صاحب كاريزما شخصية طاغية وممسكاً بكل الخيوط. قال: نحن الذين فقدناه.. قلت له: بكل أسف أنتم تلاميذه أول من خان فكرته الوحدوية وبدأتم تنادون بالإنفصال وتطالبون به.. وتحركون الفريق سلفا.. هذا الرجل الطيب مثل الحقول والمطر كما تريدون.. ليس لأن شخصيته ضعيفة.. ولكن (اللوبي) بتاعكم قوي.. وهو رجل لا يحب المشاكل. قلت له.. كيف تفسر العطل الخطير الذي كاد يودي بحياة الفريق سلفا في يوغندا وفي الطائرة أليس شبيهاً بحادث قرنق لكنه لم يكتمل؟.. قال لا.. حادث قرنق مدبر.. لكن حادث سلفا عطل فني.. قلت له.. كيف يكون ذاك حادثاً مدبراً.. وهذا حادث بسبب عطل فني.. ألا تتوبون من يوغندا؟!! .. وأنا متأكد أن الفريق سلفا لن يزورها ثانية.. لأن غلطة الشاطر بألف. وزاد.. لدينا كل ما يؤكد أن حادث طائرة قرنق مدبر.. قلت له.. لماذا لم تنشروها.. قال نحن لا نريد أن نخلق مشكلة أو قضية، فالرجل راح.. قلت له.. كل الدلائل تشير الى جهات لكم علاقة بها أو أناس منكم.. لأن لا أحد يعلم بأن قرنق كان في يوغندا.. ولا أحد يعرف نوعية الطائرة.. ولا موعد إقلاعها.. ولا الى أين ستذهب؟ هذا الحادث في تقدير كثير من المراقبين تصفية حسابات من عناصر خارجية.. وعناصر منكم.. ألم تر الى أين يتجه أصبع ذلك الزعيم الإفريقي أثناء دفن جثمان الفقيد قرنق.. وماذا كان يعني.. إنها صورة لم ينتبه أحد لقراءتها.. ونفضل أن نغلق ملف هذا الحديث.. لكن نأمل أن تعيدوا النظر في قراءتكم.. ثم كيف قررتم الانفصال.. وتدعون أهل الجنوب الى التسجيل إنها المواقف المتناقضة. وأختتمت حديثي.. بأن من العقل إعادة النظر قي القرارات المستعجلة في القضايا المصيرية. ثم اتفقنا على لقاء موسع في مكتبه خلال الأيام المقبلة، على أن يكون حواراً مكتوباً ومنشوراً في الهواء الطلق. والله الموفق وهو المستعان،،