عملية اختطاف خطيرة في السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية فائقة الجمال تبهر المتابعين وتخطف الأنظار بتفاعلها مع "عابرة" ملك الطمبور ود النصري    بالصورة.. الممثل السوداني ومقدم برنامج المقالب "زول سغيل" ينفي شائعة زواجه من إحدى ضحياه: (زواجي ما عندي علاقة بشيخ الدمازين وكلنا موحدين وعارفين الكلام دا)    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل زفاف بالقاهرة.. العازف عوض أحمودي يدخل في وصلة رقص هستيرية مع الفنانة هدى عربي على أنغام (ضرب السلاح)    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية فائقة الجمال تبهر المتابعين وتخطف الأنظار بتفاعلها مع "عابرة" ملك الطمبور ود النصري    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل زفاف بالقاهرة.. العازف عوض أحمودي يدخل في وصلة رقص هستيرية مع الفنانة هدى عربي على أنغام (ضرب السلاح)    شاهد بالصورة والفيديو.. مطربة أثيوبية تشعل حفل غنائي في أديس أبابا بأغنية الفنانة السودانية منال البدري (راجل التهريب) والجمهور يتساءل: (ليه أغانينا لمن يغنوها الحبش بتطلع رائعة كدة؟)    الهلال السعودي يتعادل مع ريال مدريد بهدف لكلٍ في كأس العالم للأندية    مانشستر سيتي يستهل مونديال الأندية بالفوز على الوداد المغربي بهدفين دون مقابل    وزارة الصحة تستقبل طائرة مساعدات إنسانية وطبية تركية تبلغ 37 طناً لمكافحة الكوليرا    هل هناك احتمال لحدوث تسرب إشعاع نووي في مصر حال قصف ديمونة؟    تقرير أممي: الجيش مسؤول عن الجرائم وتدهور الوضع الإنساني في السودان    ماذا يفعل كبت الدموع بالرجال؟    أمام الريال.. الهلال يحلم بالضربة الأولى    الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تتمكن من الإيقاع بشبكة إجرامية تخصصت فى نهب مصانع العطور بمعاونة المليشيا المتمردة    كامل إدريس يؤكد عمق ومتانة العلاقات الثنائية بين السودان والكويت    ترامب: "نعرف بالتحديد" أين يختبئ خامنئي لكن لن "نقضي عليه" في الوقت الحالي    كامل إدريس ابن المنظمات الدولية لايريد أن تتلطخ أطراف بدلته الأنيقة بطين قواعد الإسلاميين    9 دول نووية بالعالم.. من يملك السلاح الأقوى؟    عَوض (طَارَة) قَبل أن يَصبح الاسم واقِعا    إنشاء حساب واتساب بدون فيسبوك أو انستجرام.. خطوات    عودة الحياة لاستاد عطبرة    السهم الدامر والهلال كريمة حبايب في إفتتاح المرحلة الأخيرة من الدوري العام    الصحفية والشاعرة داليا الياس: (عندي حاجز نفسي مع صبغة الشعر عند الرجال!! ولو بقيت منقطها وأرهب من الرهابة ذاتا مابتخش راسي ده!!)    التهديد بإغلاق مضيق هرمز يضع الاقتصاد العالمي على "حافة الهاوية"    تدهور غير مسبوق في قيمة الجنيه السوداني    كيم كارداشيان تنتقد "قسوة" إدارة الهجرة الأمريكية    "دم على نهد".. مسلسل جريء يواجه شبح المنع قبل عرضه    ايران تطاطىء الرأس بصورة مهينة وتتلقى الضربات من اسرائيل بلا رد    خطأ شائع أثناء الاستحمام قد يهدد حياتك    خدعة بسيطة للنوم السريع… والسر في القدم    السلطات السودانية تضع النهاية لمسلسل منزل الكمير    المباحث الجنائية المركزية ولاية الجزيرة تنفذ حملة أمنية كبري بالسوق العمومي وتضبط معتادي إجرام    مباحث شرطة الولاية الشمالية تتمكن من إماطة اللثام عن جريمة قتل غامضة وتوقف المتورطين    بلاغ بوجود قنبلة..طائرة سعودية تغيّر مسارها..ما التفاصيل؟    المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي    "خطوة برقو" تفجّر الأوضاع في دارفور    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    الترجي يسقط أمام فلامنغو في مونديال الأندية    نقل أسلحة إسرائيلية ومسيرات أوكرانية الى افريقيا بمساعدة دولة عربية    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    إدارة مكافحة المخدرات بولاية البحر الأحمر تفكك شبكة إجرامية تهرب مخدر القات    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    سمير العركي يكتب: رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية يؤكد أهمية مضاعفة الإنتاج    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    بعد حالات تسمّم مخيفة..إغلاق مطعم مصري شهير وتوقيف مالكه    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ذكرى ...رجل لن يموت !
نشر في الرأي العام يوم 23 - 12 - 2009

ذكراه، من صميم سياقنا، السودان :المنارة أم الجسر؟ بفكره كان جسراً للتواصل،لم يغيب في متاهات «الأحوال» وإغواءات المصطلحات...»وحدة الأفعال» «المهدي المنتظر»، «أستاذ المهدي» أو «المسيح المحمدي»!! لم ينافح عن مقام متميز لوطنه ... ومن حسن حظه، لم تعترف به فضائية «ساهور» وشقيقتها «إذاعة الكوثر» التي أعلن مديرها بدار قنصلية السودان بجدة يوم الخميس 3 سبتمبر 2006م: «شاهدنا الرسول صلى الله عليه وسلم في الرؤية أكثر من مرة داخل الأستديو» (سودانيز أونلاين 4/9/2006م) كان محظوظاً برحيله باكراً ....!!! مكانته خارج وطنه سامقة، مع قمم التجديد من مجايليه، محمد عابد الجابري، محمد أركون،محمد جابر الأنصاري، خالص جلبي ونصر حامد أبوزيد... التقينا أيام الصبا الباكر، ولم نفترق، في مدينة متفردة في عطائها وفي تميز أبنائها...صلاح بشرى،سليمان موسى،أبراهيم المحلاوي،العم عبدالقادر سالم، قاسم أمين، الطيب حسن، الشفيع أحمد الشيخ، موسى متى، هاشم السعيد، الحاج عبدالرحمن،المنبثق، الرشيد مهدي، حسن خليفة العطبراوي،بشير الطيب،سعد أمير طه،محمد ابراهيم الشوش،أحمد الأمين البشير وعوض الله دبورة... سبقناهم بعام دراسي واحد في عطبرة الثانوية، على بابكر الكنين وشخصي.. ولم نفترق عنهم، مع تباعد المسارات والإتجاهات والمسافات.. وكان هو رائدهم : محمد أبوالقاسم حاج حمد.. وكانوا جميعاً رموزاً وعطاءً دافقاً، «العبادلة»، عبدالله على ابراهيم، عبدالله صالح، عبدالله المحسي وفتحي فضل .. ورغم رحيل ثلاثة منهم، الا أن الصديق «أبداً لايموت .. سوى أنه ليس يسمعك ولم يعد ينظر الى العالم من خلال عينيك ولن يتمكن من مشاركتك بآخر مالديك من نقود»، لمشاهدة فيلم جديد، أو شراء كتاب من مكتبة دبورة وبعدها مكتبة حامد المطري في المحطة الوسطى بالخرطوم..!! زميلي وصديقي، على بابكر الكنين، كان يبدو مثلنا في تلك المرحلة ..من «رفاق درب الشيوعيين، وليس فيهم»! ولكن «تقيته» التي استمرت لأكثر من أربعين عاماً، أفصحت الان عن دوره القيادي، السكرتير التنظيمي للحزب الشيوعي،ورئيس مجلس ادارة جريدة «الميدان» ...هدؤه،تواضعه،عزوفه عن الأضواء،مؤهلات يفتقر اليها الكثيرون من صيادي المناصب! الذاكرة، تغريني، بفتح تلك النافذة...بالطبع..ليست نافذة الرفيق جورباتشوف التي فتحها للتهوية «فأطاحت بالبيت كله «! ...تجدني منحازاً للمقولة الشعبية الروسية المتداولة بعد انهيار الإتحاد السوفيتي، وقد زرته خمس مرات: مجرد من الرحمة ذلك الذي لم يحزن لإنهيار الشيوعية الكبرى، ومجرد من العقل ذلك الذي يتمنى عودتها من جديد! ميخائيل جورباتشوف يبرر أسباب العاصفة التي اقتلعت البيت كله، بأنها جاءت نتيجة للإصلاحات المستمدة من التقدم التكنولوجي والتحسن الذي طرأ على مختلف مجالات التعليم والثقافة،»مما خلق رفضاً واسعاً للنظام الشيوعي وسياسته المفروضة على الشعب»!! وتقول مارجريت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا، ان تكلفة حرب النجوم والجوانب المتعلقة بها قصمت ظهر الإتحاد السوفيتي لأنها كانت تحتاج الى تقنيات كمبيوتر متقدمة لم يكن الإتحاد السوفيتي يملكها وكانت تلك النقطة أيضاً نهاية لسباق التسلح ولتحجيم الإتحاد السوفيتي. أما الدكتور بلاتونوف عالم الإقتصاد الروسي الشهير قال إن هدم الإتحاد السوفيتي كلف أعداءه رصد تسعين مليار من الدولارات ضمن مخطط غربي أطلق عليه مشروع «اشاعة الديمقراطية» في الإتحاد السوفيتي مابين 1985-1995م وأكد لصحيفة روسكي فيستنيك الروسية ان كل هذه المبالغ تم انفاقها على عملاء في آخر برلمان سوفيتي وكذلك على وسائل الإعلام .. وقال إن هذه الخطط تمت بعلم كل من ميخائيل جورباتشوف والكسندر ياكوفلييف عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفيتي والمشرف على الدعاية الحزبية وتطوير مفاهيم الحزب التي كان من بينها شعار «الجلاسنوست»، أي سياسة المكاشفة والمصارحة .. وقال: الغرب انتصر في الحرب العالمية الثالثة دون اطلاق رصاصة واحدة !! وحتى لا أغضب صديقي علي بابكر الكنين، وهو قلما يغضب، أنقل له الطرفة التي تتردد في دول أوروبا الشرقية والتي كانت ضمن الإمبراطورية السوفيتية: سؤال : ماهو أسوأ شئ في الشيوعية؟ جواب : ما سيأتي بعدها...! رواها الأستاذ جهاد الخازن! وبالطبع ليس للتاريخ محرك سرعة خلفي..لكني، أتساءل: مع استمرار زعماء المدى التاريخي في قيادة أحزابهم في السودان، لأكثر من أربعة عقود: هل كان سيتغير الواقع الذى نعيشه الان، لو استمر الأستاذ عوض عبدالرازق أميناً عاماً للحزب الشيوعي السوداني، والأستاذ صادق عبدالله عبدالماجد، أميناً عاماً للأخوان المسلمين؟ هل كان سيتوقف السجال الإنقلابي بين الحزبين، الذي أوصلنا الى المأزق الذي نعيشه ألان ؟ هناك شهادة تاريخية أتمنى من جيل الشباب الوقوف عندها ومقارنتها بالمصكوكات التي ورثناها: أكبر حزب شيوعي في أفريقيا ..! وأول حزب إسلامي يؤسس دولة إسلامية سنية بعد دولة إيران الشيعية ...! وماذا ...كان الحصاد ...؟؟ يقول الأستاذ عبده دهب في شهادته وهو من الرعيل الأول الذى أسس الحزب الشيوعي السوداني: انضممت الى تيار الأستاذ عوض عبدالرازق العام 1952م وهو التيار الذى دعا الى دمج الحزب الشيوعي ، أو الكوادر اليسارية، الى الاحزاب الجماهيرية الكبرى، حتى تقوم هذه الكوادر مقام القلب في هذه الأحزاب وتقودها الى طريق اليسار أو تحملها الى تبني الشعارات اليسارية المتعلقة بالعدالة الإجتماعية ومناهضة الإستغلال وتحقيق التحرر الوطني، والإنفكاك من القهر الطبقي، وعندما دعونا الى هذا الطريق،اتهمنا بالتصفوية وهو اتهام لو تعلمون عظيم في البيئة الشيوعية في تلك المرحلة «صحيفة الإتحادي عوض عبدالرازق 20 ابريل 1998»، وليت جيل الأبناء ينصفه،على الأقل، بتقييم أطروحاته بتجرد وموضوعية! أما الأستاذ الجليل صادق عبدالله عبدالماجد وقد أكرمت بذكرياته عن سنوات السجن في عهد الرئيس نميري ونشرتها في «النهار أغسطس 1987م»، كان مهتماً بالتربية وتزكية النفوس وسط شباب الأخوان، وهو قدوة في السلوك القويم وعفة اللسان والزهد وكنت ألقاه كثيراً لجواره لمسجد الشيخ البشير محمد نور في شمبات، بل كان يماثله في سمعته وخلقه ، ولم يتفوه بكلمة واحدة مما عهدناه من آخرين في نقد الصوفية والتطاول عليهم!.. وسوف تبقى صرخته العام 1993م، «أخشى على أهل السودان من الردة « شهادة إدانة دامغة لإجتهادات الدكتور حسن الترابي!! وصديقنا الدكتور عبدالله علي ابراهيم، لم يتوقف عطاؤه ماقبل ومابعد تجربته الشيوعية وهو مع الأستاذ الكبير الخاتم عدلان، يمثلان تياران في التجديد والإستنارة... وأملي أيضاً ان يتدارس جيل الابناء التجربتين والخروج من قوقعة الادانات الجاهزة العقيمة ...! ويحاول عبدالله على ابراهيم بكل جهده الا يتوقف عطاؤه وهو الان يناطح الصخر، مقتبساً لشعار جرامشي الشهير الذي تبناه ايضاً الصديق حيدر ابراهيم: «كن واقعياً وأطلب المستحيل ! وأعلن ترشيحه لإنتخابات الرئاسة في السودان، فهو الشخص المؤهل للمنصب ،في رأي، ولذلك لن يتم إنتخابه !! هكذا حالنا ... كل امرئ يحتل غير مكانه! الصديق فتحي فضل، يجسد ضمير جيل شحبت أحلامه وسمقت أخلاقه، وظل مرفوع الرأس شامخاً بعد انهيار منظومة اتحاد الشباب العالمي ، الذي كان أميناً عاماً له لعقدين من الزمان وهو أول وآخر أفريقي في هذا المنصب العالمي ... كان من براغ ملاذاً وراعياً للشباب، وقدم خدمات جليلة لشباب السودان والعالم في مجالات التعليم والعمل والرعاية الطبية.. وإقترن برفيقة دربه، طببية من كوبا... التقيته قبل سنوات قليلة في لندن ... وقلت له مندهشاً ... كأنك يافتحي في عز الشباب.. يبدو أن انشغالك الدائم لم يمنحك الوقت الكافي لتشيخ مثلنا! الصديقان، عبدالله صالح وعبدالله المحسي، كانا الأكثر شجاعة في المجموعة...جميعنا حزم»بقجته» من قبل أو من بعد، وغادر ... وظلا استثناءً داخل السودان يبشران بفجر جديد رغم الحسرات وانكسار الأحلام .. وحملا هموماً بعد انقلاب 1989م تنوء بها الجبال، فأشفق عليهما الموت، وربت عليهما، مستأذناً لأخذهما الى راحة اجبارية في مرحلة مبكرة من العمر!! وعنده اتوقف باستفاضة ... في الذكرى الخامسة لرحيله 20 ديسمبر 2004م محمد أبوالقاسم حاج حمد... كانت آخر عبارة قالها في لقائنا بأسمرا قبل شهرين من رحيله: «دعني اقتبس لكل هذه العبارة المشحونة بطاقة المعنى ومرارة التجربة،» نحن جيل مأزوم نشأنا في زمان الحتميات التي حملته على السعي لتطويع الواقع للرؤى الأيدولوجية المعتقدية وليس امتحان تلك الرؤى على أرض الواقع لإستكشاف صلاحيتها»!! وقد إلتقيته في جميع المحطات الرئيسية في حياتي،فهو يشكل»انموذجاً للمثقف والمفكر الذي يعمل على بلورة أفكاره الى واقع» وتوطدت علاقتنا واستقرت عبر بوابة الثورة الإريترية،والتي كانت لجيلنا في مرحلة العنفوان الثوري،وارتفاع مده في العالم الثالث، العزاء لنا على انكسار حلمنا عندما اجهضت ثورة أكتوبر 1964م، والتي أضافت تفرداً في النضال ضد الدكتاتوريات العسكرية، ولكن سرعان ماتم حصارها وأفرغت من مضامينها وعادت مجدداً القوى التقليدية الى السلطة ...نفس القوى الموجودة الآن بقياداتها التاريخية التي ضيعت مجد أكتوبر وتدعي الان أنها ستعيده! وأستفيض قليلاً في نعيه الذى نشرته يوم23/12/2004م،بأن المشهد الان كأنه يماثل صباحات أكتوبر العظيم ..إنقسامات، تشظي،ادعاءات، تفرق في تنظيمات هشة، أحزاب منقسمة على نفسها من شيوعيين وبعثيين وقوميين وقبائل وأفخاذ!..»وعلك» الشعارات حتى عسر الهضم!.. ومع محمد أبوالقاسم استقر بنا المقام العام 1965 في حزب الشعب الديمقراطي بقيادة الشيخ على عبدالرحمن،الذي حمل لقب «الشيخ الأحمر»،كان في الصباح يرأس اجتماعات المؤتمر العربي الإسلامي، وفي العصر يقود مظاهرات التضامن الآسيوي الأفريقي بميدان أبوجنزير الذي كان بمثابة بيته الثاني، كان ختمياً وناصرياً واشتراكياً وأصولياً!! وكان محمد ابوالقاسم كعادته بارعاً في التنظير، يطمئنني بقوله، عدنا الى جذورنا الختمية، سنعمل على التغيير من الداخل، هؤلاء هم الأقرب خلقاً وسلوكاً من الإشتراكيين «الأقحاح» هكذا كان يعتني بفخامة وفحولة تعبيراته، بصوته المرعد وبلازمته الدائمة «الجدلية» في كل أحاديثه، ورغم أنه كان أقرب الى منطلق الوحدة العربية من المفهوم العفلقي لا الناصري، كان جاداً في انتمائه الى حزب الشعب الديمقراطي .. وفي وقت وجيز اختير عضواً في المكتب السياسي للحزب .. وكان أصغر الأعضاء سناً، ورغم أن والده كان من أقطاب الختمية الا أن اختياره كان عن جدارة ويعبر عن ثاقب بصيرة الشيخ على عبدالرحمن الذي رأى احتضان المثقفين الشباب المنحدرين من أصول ختمية... لكن لم يتوافق هذا الإختيار مع رؤية الحرس القديم، الذي مازال نافذاً وقادراً في دهاليز الختمية، بمختلف مراحل مسميات أحزابها، بدأوا حملة شعواء على محمد ابوالقاسم، أتهم بالولاء لحزب البعث وأنه يعمل على تغيير هوية حزب الشعب وفقاً لأجندة مدروسة ومرسومة! وبدوري كنت متهماً بالإنتماء الى الحزب الشيوعي، وكما قلت»كنت رفيق دربهم ولست منهم» وعزز ذلك مراسلتي لوكالة أنباء تاس السوفيتية قبل افتتاح مكتب الخرطوم .. وأختارني الشيخ على عبدالرحمن مستشاراً لرئيس تحرير جريدة «الجماهير» الناطقة باسم حزب الشعب، لإضفاء صبغة المهنية على الصحيفة، خاصة وأن معظم العاملين فيها من الكتاب وليس من محترفي العمل الصحفي.. وكان رئيس تحرير «الجماهير» الأستاذ عبدالمنعم حسب الله كريماً في تعامله معي، بينما كان نائبه الأستاذ محمد الخليفة طه الريفي، يرخي نظارته على أنفه عند دخولي مكتب الجريدة، ويقول بصوت خفيض لكنه مسموع الخبراء الأجانب وصلوا!! ونتبادل الإبتسامات وأحياناً الضحك بصوت عال! ولم يشفع لي إكتشافي لخطأ جسيم وشنيع في مانشيت «الجماهير» .. كنت أراجع صفحتها الأولى كل ليلة قبل الطبع .. وكان المانشيت الرئيسي من ذلك اليوم وعلى فنط 54 بلغة تلك الأيام: «حزب الشعب الديمقراطي يقاطع الإنتخابات» وطار حرف واحد من المانشيت الذي كان يجمع يدوياً من حروف منضودة من النحاس ... وأكتشفت غياب الحرف اللئيم الذي حول المناشيت الى كارثة وفضيحة كبرى! وماكان من أستاذنا الريفي الا أن قبل رأسي وهو يقول في هلع : تصور كيف سيكون موقفنا لو قرأ
السيد على الميرغني غداً مثل هذا العنوان..كنا نودي وشنا وين؟! ولم تستمر تجربتنا في جريدة «الجماهير» طويلاً ... واصلت عملي في «تاس» و»الأيام» ثم»السودان الجديد» ولم يكن محمد أبوالقاسم مثلي بحاجة للوظيفة لكسب العيش، كان من أسرة ثرية بمقاييس ذلك الزمان، ويسكن في منزل الأسرة بالعمارات، أفخم أحياء الخرطوم آنذاك وأصبح ذلك المنزل من تراث الثورة الإريترية .. وقد زاره الرئيس أسياس أفورقي العام 2006م بعد عودة العلاقات بين البلدين ..وقدم تعازيه لأسرة الأستاذ أبوالقاسم بعد رحيله! كانت هناك شحنة من الأسلحة أرسلتها سوريا عبر مطار الخرطوم للثوار الإريتريين بتاريخ 30/6/1965م، وأكتشفت المخابرات الأثيوبية أمرها وأبلغت السيد الصادق المهدي رئيس الوزراء بتفاصيل الشحنة وقرر على الفور مصادرتها... ونشط أصدقاء الثورة الإريترية وعلى رأسهم الرشيد الطاهر بكر وزير العدل والإعلام بالإنابة ومحمد جبارة العوض وزير شؤون الرئاسة وإتصلا باللواء محمد أحمد الخواض رئيس الأركان، الذي أمهلهم ليلة كاملة لترحيل الأسلحة، وتغافل عن قرار رئيس الوزراء بمصادرتها!.. ونشط الثوار الإريتريون في نقل الأسلحة بالقطار الى كسلا وبقيت كميات كبيرة من الذخائر والأسلحة الخفيفة وأصبح من المستحيل نقلها في نفس الليلة، وكذلك كان من المستحيل تركها للمصادرة!.. وهنا كان القرار الشجاع للأستاذ محمد أبوالقاسم بنقلها الى منزل أسرته! ومنذ ذلك اليوم، اتجهت بوصلة همنا نحوهم ثوار اريتريا، وتوثقت عرى صداقتنا بهم، وأصبحت أحلامهم، أحلامنا،والوقوف معهم تعويضاً عن فقدنا الكبير ...ثورة أكتوبر 1964م ..! ومرت السنون وتجددت المحن وتعاظمت الرزايا، وحسبنا أن واقعاً جديداً سيعيد زخم وأهداف الثورة المجهضة، عندما توحدت إرادات سودانية لإستعادة مبادئ ثورة أكتوبر، عبر ميثاق التجمع الوطني الديمقراطي... وكنا نقول لهم لا تتخذوا اسمرا مقراً،بل تجربة نضالية،هزمت أقوى جيش في أفريقيا على رأسه مائة جنرال! وراهنا عل ذلك بإنطلاق تجربة جريدة «الفجر»، لدعم هذه المرحلة المفصلية الجديدة من تاريخنا المعاصر، وجسراً للتواصل السوداني الإريتري...ولكن «بخلاء الجاحظ»، كما أسماهم، الأستاذ الخاتم عدلان، كان كل واحد منهم ممسكاً بلحمة حزبه بخيط متين يمده داخل «القدر» الموحد، ومتحفزاً في الوقت نفسه، لإنتشالها في الوقت الذي يناسبه!! لم يتغيروا ولم ينسوا ثأراتهم ومكائدهم وبراعتهم في «الزوغان» والتولي على عجل يوم الزحف! وكان الدكتور جون قرنق، مدركاً لهذا الواقع وتعامل معهم بحذر وانتباه لمصلحة قضيته فهو لم يكن مشغولاً بميراث أسرة أو خليفة من الأنباء.. كان على علم بحقائق مسرح السياسة السودانية، منذ الإنتفاضة التي أطلق على قيادتها «مايو تو» .. وكان محقاً .. أين يقف الان، المشير عبدالرحمن سوار الدهب؟! مضى الدكتور قرنق في اتجاه هدفه، مصطحباً معه ما قد يفيده من تناقضات أحزاب المدى التاريخي، حتى توصل الى اتفاقية مشاكوس، وعلى نفس الدرب يتوجه خليفته وتلاميذه، عبر مؤتمر جوبا ومظاهرات الإثنين ومابعدها! وتمترست الإنقاذ في سياستها المجربة، كسب الوقت والتحلل من العهود، وانفردت بزعماء المدى التاريخي واحداً تلو الآخر عبر جيبوتي، وطرابلس والقاهرة وأبوجا، وتركتهم بعد ذلك للحسرة والخسران.. والغريب ان مولانا السيد محمد عثمان الميرغني، عاد مرة أخرى لتجريب المجرب، في الهزيع الأخير الذي أعدته الإنقاذ، لتدشين «يوم التمكين الأكبر» عبر الإنتخابات ... ومع شعاراتها الجديدة : «لحس الكوع» «وصقيرا حام» !!

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.