.. المقصود بالغرب هو النظام الدولي الحالي الذي يحمل مجموعة القيم التي تحكم العالم.. فالعالم لا تحكمه الأممالمتحدة ولا مجلس الأمن ولا حتى الرئيس «أوباما».. ولا رؤساء الدول العظمى الخمس.. ولا رؤساء الدول العشرين.. لأن هؤلاء خلقتهم القوى الخفية أو المتخفية التي تحكم العالم.. وهم يقومون بتنفيذ أوامرها وتتعامل معهم كأحجار الشطرنج.. والقوى التي تحكم العالم ولأسباب كثيرة تاريخية برزت كتحالف بين زعماء اليهود والكنائس والملوك ورؤساء الإمبراطوريات المالية وشركات النفط والسلاح، بالإضافة الى فواصل مهمة في الاستخبارات العالمية. وهذه القوة كانت المسؤول الأول عن قيام إسرائيل وتعتبر ذلك إنجازاً غير قابل للمراجعة.. وهي القوة التي دمرت الخلافة العثمانية وخلقت أسطورة كمال أتاتورك.. وهي المسؤولة عن حرب فيتنام.. وهي التي دمرت الثورتين المصرية والفلسطينية حتى انتهينا الى «كامب ديفيد» وصلح «أوسلو» الذي يعتبر تصفية منهجية لقضية فلسطين.. كما هي التي دقت مسمار التدمير في نعش الإتحاد السوفيتي وفككته الى دول شتى.. وهي التي دعمت الحرب في جنوب السودان، والعدوان الثلاثي من دول الجوار. والنظام الدولي هذا وشكله ومرجعياته ولأسباب فكرية وثقافية وروحية واقتصادية، لا يريد رؤساء ثلاثة ويعمل جاهداً على محوهم والقضاء عليهم. ------- قواسم مشتركة وهؤلاء الرؤساء الثلاثة يحكمون دولاً تتشارك في أشياء عديدة.. فدولهم الثلاث تشهد نهضة إقتصادية كبيرة اعتماداً على الذات.. ودولهم الثلاث أيضاً لها مشاكل تاريخية موروثة تتمثل في مطالبة الأقليات بالإندماج وتقسيم السلطة والثروة.. ففي إيران مثلاً يطالب العرب السنة والمسيحيون والصابئة بأوضاع تبرزهم وتميزهم.. وتركيا تشهد مطالبات عديدة من الأكراد والأرمن.. والسودان يشهد حرباً استمرت بضعة عقود وما زالت دعاوى التهميش تلاقي من يشعل أوارها. والرؤساء الثلاثة هم الرئىس الإىراني أحمدي نجاد.. والرئيس السوداني عمر البشير.. والرئيس التركي أردوغان.. وعنوانهم الإسلام. والرئيس الأول أحمدي نجاد رئىس الجمهورية الإسلامية الايرانية.. وقد جرب الغرب كل الوسائل مع إيران.. لكن تظل المشكلة الكبرى مع إيران هي أنها أكبر من احمدي نجاد.. وأنها تحتفظ بجغرافية سياسية في منطقة حيوية للغرب.. ومشكلة الغرب مع إيران أن النظام الإيراني في هذا الوقت كتلة غير قابلة للتفكيك، كما أن النظام الإيراني الذي يهدد إسرائيل -كما يدعي الغرب- إلا أنه نظام متماسك ويمثل قوة إقتصادية وعسكرية كبيرة، وبرز وسط مصالح الغرب الحيوية في الخليج، وهو بذلك قادر على التأثير بعمق على مجمل مصالحهم في الخليج.. وهو ليس بنظام شخص واحد كما كان الحال مع نظام «صدام حسين». نجاد وصدام بل أن قدرات إيران وثورتها الشعبية أكبر بكثير من قدرات «صدام حسين» على تحريك الشعب والأجهزة والمعجزات.. كما أن إيران اليوم أصبحت على عتبة إمتلاك أسرار التطور التقني النووي.. ولذلك فإن القضاء على الرئيس «أحمدي نجاد» لن يحل للغرب مشكلة.. لأنهم باتوا يعلمون أنهم يواجهون نظام مؤسسات به ألفا قائد ويزيد.. وبه مئات الآلاف من الرجال على أهبة الاستعداد للموت ويلبسون أكفانهم ولهم قدرة على ملاحقة الغرب وقواته في مياه الخليج وفي العراق وفي دول الخليج وحتى في أفغانستان.. ولذا بات الغرب يفهم أن المعركة ليست مع الرئيس «نجاد» ولكن مع كل إىران.. ويريدون تدميرها لكن هيهات فإن تدمير إيران يعني تدمير كل منطقة الشرق الأوسط بما فيها إسرائىل.. يريدون تدمير إيران جملة كما فعلوا في العراق ولكن هيهات فثقل إىران وقدراتها اكبر بكثير من مخططاتهم، كما أن الثمن سيكون باهظاً.. والآن هم يقومون بمراجعات كبيرة لمحاصرة إيران.. فها هو «أردوغان» رئيس وزراء تركيا يقابل بمذكرات عديدة في زيارته لأمريكا من رجال الكونغرس ويطالبونه بتصحيح وضعه تجاه إسرائيل.. وبالتالي إيران. تطويق إيران وها هو الرئيس المصري محمد حسني مبارك يتوجه في زيارة عمل لمدة ثلاثة أيام الى تركيا.. وفرق كبير بين زيارة العمل والزيارة الرسمية.. الزيارة الرسمية هي زيارة مخطط لها ومتفق عليها قبل فترة.. ولكن زيارة العمل هي زيارة طارئة تتعلق بموضوع معين، لذلك كانت الزيارة الى «أسطنبول» وليست «أنقرة».. وأشار المحللون في تركيا الى أن الزيارة كان في أجندتها الأولى حث «تركيا» على التعامل مع «إيران» كمهدد.. رغم أن العقل المدبر للسياسة الخارجية التركية وزير الخارجية أحمد داؤود أوغلو يعتبر إيران عمقاً استراتيجياً لتركيا.. وحث السفراء على تعلم اللغة العربية والفارسية للتعامل مع الدول العربية وإيران. ولكن المخطط لتطويق إيران يمضي أكثر من ذلك.. فها هو الرئيس الحريري ينسى مراراته مع سوريا.. وتجبره التحولات في بلده الى الهرولة نحو سوريا.. طاوياً ملف المحكمة الدولية لمحاكمة قتلة ابيه الرئىس الراحل رفيق الحريري مسترضياً سوريا حتى يفكك تحالفها مع إيران.. وحتى يقلل من دور حزب الله في لبنان.. وحتى يتمكن من حكم لبنان. تحالف سوريا ومن قبل رأينا أن السعودية اتجهت نحو سوريا، إذاً، البيئة الإقليمية تحاول ان تنجز شيئاً تجاه إيران وتحاول تطويقها.. ولكن من الواضح ان كل هذه التحركات لن تكون ذات تأثير.. لأن سوريا لن تفك ارتباطها بإىران.. ولأن واحداً من مصادر قوة سوريا الآن هو تحالفها مع إىران.. ومن العجيب ان القوة التي كانت مطاردة ومحاصرة راهنت عليها سوريا وكان رهانها صحيحاً.. ولذلك أصبح الآن لا سلام بدون سوريا. وإسرائيل تحس أن إيران أصبحت مهدداً، بمثل ما تحس أن وضعها العالمي أصبح متقهقراً وأنها أصبحت عبئاً على النظام الدولي.. وعلى الضمير الدولي.. وفاتورة المحافظة عليها أصبحت مكلفة وباهظة مع تنامي القوى الإسلامية والوعي الإسلامي الرافض لهيمنة النظام الدولي. ثم جاءت هزيمة أمريكا في العراق وهزيمتها القادمة المتوقعة في أفغانستان وباكستان لتضع إسرائيل كما يقولون فوق صفيح ساخن. مخاوف إسرائيل وخوف إسرائيل العميق من المد الإسلامي هو الذي يجعلها تخاف من تجربة إسلامية ناجحة في السودان.. فإذا كان إنتصار المد الاسلامي في إيران إنتصاراً غير مؤثر في العالم الاسلامي السني لأسباب تاريخية وطائفية وعقدية.. وأسباب تتصل بالرؤية الى المذهب الشيعي.. إلا أن نجاح التجربة الاسلامية في السودان سيكون نموذجاً له ما بعده.. يؤثر على مصر وجوارها وعلى العالم الإسلامي أجمع.. لذا فقد أبرز المخططون الإسرائيليون استراتيجيتهم القائلة بالقضاء على هذه التجربة.. وفي حساباتهم أن أمر السودان ميسور.. لأن البيئة السودانية ولأسباب تاريخية تحتمل التدخلات الخارجية.. ويصفونها بأنها بيئة هشة.. فالسودان إمبراطورية تضم اكثر من مائة وثلاثين قبيلة متداخلة مع دول جواره التسع.. وتضم ثمانية ملايين من البشر.. ولذلك انبرى التفكير والتدبير في اختراق الهوامش لمحاربة المركز.. وكذلك فإن وضعية التباين والتنوع واضح في السودان الذي يعتبر دولة إسلامية إفريقية مصغرة. وكذلك فإن وعاء السودان يضم مزاجاً إسلامياً ومسيحياً وديانات إفريقية.. وفيه جفاف وتصحر وصراع حول الموارد.. وفيه تدفق للسلاح والقبائل النازحة.. وحروب حوله.. حرب جنوب السودان.. ونزاعات دارفور المسلحة.. وحرب تشاد.. وتدفق السلاح الليبي من افريقيا الوسطى وغيرها.. وله حدود متداخلة.. وفيه ما فيه من تدخلات.حتى لو كان وحده.. وهبها كانت القاضية فإنه لن يحني رأسه. تركيا والناتو ثم أن تركيا ألغت مناورات حلف الناتو في تركيا واشترطت أن لا تشارك فيها إسرائيل مما دفع حلف الناتو لإلغاء المناورات.. كما أبدى «أردوغان» تعاطفاً غير محدود مع «حماس» وقال في التصريحات والعبارات ما أحرج الملوك والرؤساء المطيعين في الباطن والظاهر مع إسرائيل.. الذين لا يستطيعون ان يسيروا سيره ولكن الآن يتحركون ضد تركيا بالمنظمات الخفية والتنظيمات السرية التي تعمل في الباطن كمنظمة «الذئب الأغبر» لأنهم لا يستطيعون فعل شيء ضده.. ولأن تركيا جزء من «الناتو» وجزء من استراتيجية الأمن القومي العالمي.. وهي جزء فاعل من مجلس اوروبا وإن لم تدخل الى الآن الاتحاد الأوروبي.. وهم يعلمون ان إغتياله لا يحل مشكل، فحزب العدالة والتنمية الآن لا يحكم فقط ب«أردوغان».. ولكنه يحكم من خلال البرلمان.. ويحكم من خلال عبدالله غول رئيس الجمهورية ويحكم من خلال مجالس البلديات.. كما أنهم هناك يتحدثون في الصحافة عن إنقلاب عسكري وإعلان حالة الطواريء في تركيا، ولكن هذا له حسابات كثيرة.. لأنهم أنفسهم يتحدثون عن الديمقراطية وحقوق الإنسان.. وتركيا عضو في المجلس الأوروبي وإن لم تصبح بعد عضواً في الاتحاد الأوروبي.. وكذلك عضواً مهماً في حزب الناتو.. ولذلك فإن أي إنقلاب عسكري سيكون له مؤثرات كبيرة.. كما أنه غير معروف ماذا في داخل الجيش التركي.. فالجيش التركي ليس بعيداً عن التحولات الكبيرة السياسية والثقافية والروحية التي تغشى تركيا.. وتجري على مسرحها. مشكلة الغرب إذاً، هذه هي مشكلة الغرب والنظام الدولي مع رؤساء ثلاثة.. وهي مشكلة مع مرجعياتهم وثقافاتهم.. بل هي محاولة لمحاصرة التاريخ والثقافة.. بل هي محاولة لإىقاف المد الطبيعي والمنطقي للتاريخ.. وإيقاف تأثيرات متجذرة وعميقة وكامنة.. وما يحدث من تحولات في تركيا وإيران.. غداً سينتبهون على تحولات أكبر عمقاً وأكثر تجذراً في مصر كما ذكرنا في مقال سابق.. والعالم الإسلامي كله أمام تحولات كبيرة.. وستنهزم أمريكا في أفغانستان وباكستان.. وسيهزم الجمع ويولون الدبر.. ولذلك فإن البشير ونجاد وأردوغان مجرد رواد في هذا الزحف المبارك والجيش قادم.