على ما يبدو من مسحة كونية على التكريسات الدورية العالمية والاقليمية على غرار نوبل والبوكر والبوكر العربية والعويس وزايد والزبير، إلا أن اللحظة الحاسمة في تحديد النتاج المعلَّى لا يمكن إلا أن تكون ذاتية تماماً اقنعت بقية الآلية بما ذهبت إليه من تقديرات.... وينسحب ذلك على القوائم القاهرة على شاكلة: افضل مائة كتاب في تاريخ الانسانية، أو افضل مائة رواية في العالم. وهي في الحقيقة لا تعدو ان تكون إلا قوائم ارشادية إلى ما تكدس في ظلمات مخازن دور النشر الكبرى من كلاسيكيات استعمرتها الجرذان ودابة الارض والرطوبة والحرائق واللصوص الظرفاء الذين يثمنون الكتب على حسب اوزانها من بعض عمال هذه الدور. ----- لذا أجدني لا اعاور حرجاً في اعلان قائمتي الشخصية لافضل الاعمال الادبية على مستوى القطر للعام 2009 واعلن عن رصدي لجائزة سنوية لهذه الاعمال في مختلف فروع الأدب. وكما يبدو من العنوان فإن تسمية الجائزة هي: جائزة الزرافة الذهبية للابداع الأدبي. وحتماً ستكون الجائزة متواضعة قليلاً ورمزية الى حد ما في هذا التدشين على ان تتطور مستقبلاً الى ان تكون مجزية بعون الله وتوفيقه. وقد تداعت إلىّ تسمية الزرافة من سموق بعض الاعمال في سهل ابداعاتنا المنبسط بصورة افقية لهذا العام 2009 والذي شهد خموداً قارساً على مستوى الكتابة الادبية. إلا من بعض القليل الذي نخصه بهذا التنويه الذي نحن بصدده . من جهة الشعر فقد شهد تراجعاً كمياً ملحوظاً، إذ لم نقرأ نصاً واحداً لجل الشعراء . واتجه شباب قصيدة النثر الى ما يشبه المقالات البوحية على طريقتهم التي لا تفترض من تبوح له اساساً ، لذا تأخذ الجائزة طريقها مجانبة النصوص الى مجال النشر الشعري لتستقر عند نصار الحاج في عمله الريادي (تحت لهاة الشمس) والذي صدر عن مهرجان الجزائر عاصمة للثقافة وطبع، او وصلنا هذا العام. وهو يعتبر بحق مرجع اساسي للشعر الجديد غير مسبوق. اتسم بجرأة شديدة وكان اقتحامياً تماماً، هذا الشاعر الشاب الهادئ الشجاع. لا يختلف الأمر كثيراً على صعيد الرواية التي ما زالت تراوح في تعاهداتها الايدولوجية او حولها السردي الذي يسقط بها في شراك اللغة عدا النص او النصين مما يجعل الزرافة تتهادى بسهولة الى رواية (مقام الوردة) للكاتب محمد خلف الله التي صدرت اخيراً في نهايات العام في القاهرة عن دار جدار. وقد كتبت الرواية بلغة هي مزيج من لغة التصوف واختزالات الطاو المدهشة التي تراقب تجليات الاسطوري في الفعل اليومي وتحلم. هي كتابة تحلم . أما في مجال القصة القصيرة فقد سعدت تماماً لعودة هاشم محجوب في نصه الجديد الذي نشر في الملحق الثقافي بهذه الصحيفة باسم: (حسن ود ستونة ملكاً) فكانت درساً في الحبكة والاهتمام بالحدث مما يعوز الكثير من النصوص التي تتسم بالتشتت والتشطي المتاهي مما يجري نشره طوال العام. على هذا ينال هذا المخضرم زرافة القصة القصيرة للعام 2009م على أنني احس بضعف خاص تجاه قصص عبد الغني كرم الله فلا بأس من زرافة أخرى في القصة القصيرة ترعى في حدائق (روضة أبا) وكل نصوص عبد الغني كرم الله التي نشرها هذا العام في صحيفتي (الرأي العام) و(الأحداث). إن قصص هذا الكاتب تضفي على (الغبشة) المهيمنة على الكائنات السودانية اخضراراً غريباً. وبصدد الكتابة الماتعة فقد اجترحت نجلاء عثمان التوم مقدمة رائعة لترجمتها احدى حواريات عم الجميع، خوركي لويس بورخيس وان كان هو نفسه لا يرضى بهذه العمومة، لصلف وتعنصر معروفين منه. كما أن الترجمة نفسها والمعنونة بسد المتاهة كانت زاخرة بالحيوية الخلاقة للغة الشاعرة. عدا أنني كنت احس انها تضفي من لدن شاعريتها على النصوص المترجمة فتعطيها بعداً لم يخطر ببال الشاعر نفسه وبالذات في مقطوعة كبلنج الواردة في الحوار. على هذا تستحق نجلاء التوم زرافتين شابتين للمقدمة وللترجمة. ثم نختم بالزرافة النقدية والتي يطيح بها انطباعنا الى الدكتور أحمد الصادق في تأبينيته سيد المقام السردي عن السيرة النصوصية لفقيد الرواية الطيب صالح فهي نموذج للكتابة عن حب ومعرفة.