على بعد «5» كلم جنوب طريق الفريجاب الحصاحيصا تقع قرية «ود سلفاب» التي أسسها جدهم سلفاب الذي نزح قبل «200» عام من منطقة القرير بديار الشايقية واستقر في المنطقة الحالية وكانت عبارة عن غابات واشتهرت باسمه. قرية ود سلفاب التي انجبت الرائع مصطفى سيد أحمد عرفت الوعي باكراً.. من خلال تأسيسها للمؤسسات التعليمية والخدمية على يد محمد زين علي التوم.. حيث شهدت قيام أول جمعية تعاونية في السودان سنة 1944م. في هذا المجتمع الزراعي المنفتح على التعليم والوعي نشأ مصطفى سيد أحمد.. والتحق بمدرسة ود سلفاب الابتدائية.. وكان تلميذاً هادئاً.. يحب الصمت.. وأظهر نبوغاً في دراسته..ومحباً للقراءة والاطلاع ساعده على ذلك وجود مكتبة خاصة بالاطفال كانت تضم كتباً لمحمد عطية الأبراشي وجورجي زيدان. يقول إبراهيم يوسف رفيق دربه في المدرسة الابتدائية لم يكن مصطفى شقياً ولكنه كان تلميذاً متوازناً، عرف عنه تلحين الأناشيد.. واتذكر عندما أفتتحت المرحلة المتوسطة لم يؤهله مجموعة للالتحاق بمدرسة ود سلفاب فاضطر للإعادة مع خاله علي أبو شوارب في قرية أربجي وأحرز درجة أهلته للإلتحاق بمدرسة الحصاحيصا الصناعية. يقول زميله حامد الأمين في المدرسة الابتدائية «كنت في كنبة واحدة مع الراحل مصطفى سيد أحمد.. وتميز عن أقرانه بالهدوء والصمت.. وكان بارعاً في تلحين الأناشيد وكان كثير الترديد لأغنية «مرت الأيام» للفنان عبد الدافع عثمان. ? مصطفى مدرساً: تخرج مصطفى سيد أحمد في الميثاق العلمي.. وإلتحق سنة 1973م معلماً بمدرسة ود سلفاب الثانوية العامة.. معلماً لمادة العلوم.. لكنه كان يفضل تدريس اللغة العربية.. ويحكي التلميذ عبد الرحيم يوسف عن مدرسه مصطفى.. قائلاً كان تخصصه تدريس العلوم ولكنه كان مجيداً في تدريس اللغة العربية.. كنا نتلهف لحصته.. لما له من مقدرة فائقة على خلب الألباب وسحر الأفئدة.. بطريقة حكيه.. كان يحفظ للمتنبي ويحكي عن عباقرة التاريخ في كل المجالات. ويؤكد أصيل الدين ما ذهب إليه عبد الرحيم «أذكر أن مصطفى تعين في التدريس بمرتب «29» جنيهاً.. وكان بارعاً في تعليم اللغة العربية رغم ميثاقه العلمي.. وكان حازماً وحاسماً إذا استدعى الأمر.. ? مواقف مع أخواته تقول شقيقته بخيتة مصطفى إذا زعل صعب جداً.. وكنا ندخل عبد الرحيم محمد أحمد -ابن خالته وصديقه الشخصي- مصطفى حازم- تواصل بخيتة «أذكر مرة سويت ليهو شاي وطلع بارد.. قام كسر الكبابي.. والدتي طلبت منه ان «يغرم» العدة.. وفعلاً أشترى لها دستة كبابي. ومن المواقف التي ظل يحكيها مصطفى عندما كان طالباً في بورتسودان الثانوية تعرض لحادث غرق.. أنقذه زملاؤه من الطلاب.. وقبل هذا الحادث بقليل توفى شقيقنا «المقبول» وانها تجربة قاسية هذا الموقف كان يحكيه باستمرار. ? مهارات غير معروفة مصطفى كان متميزاً في العمل اليدوي، كان مزارعاً ناجحاً وكانت مزرعة والده سيد أحمد تحرز أعلى انتاجية وكان بناءً ماهراً وبحاراً لا يشق له غبار وصنع شبابيك الفرندة التي قام ببنائها استعداداً لزواجه. يقول أصيل الدين مصطفى كان فناناً تشكيلياً قبل ان يكون مغنياً.. وله لوحة رسمها سنة 1974م، في مكتب المعلمين بمدرسة ود سلفاب الثانوية العامة.. عن تاج محل بالهند.. ويؤكد الاستاذ كمال عبادي.. ان علاقته بالراحل مصطفى سيد أحمد بدأت بمدرسة بورتسودان حيث اعتاد الطلاب على وداع الفرقة الرابعة وكان مصطفى يومذاك معروفاً كشاعر في دفعته وغنى في ذلك الاحتفال اغنيته «غدار دموعك» لأول مرة وقمت بدور العازف وكان كثير من الناس يعتقدون ان اغنية «غدار دموعك» أغنية تراثية ولأول مرة يصرح مصطفى بان الأغنية من كلماته وألحانه كان في احتفال بكلية المعلمين بام درمان. مصطفى الانسان تقول شقيقته آمنة: «مصطفى كان كريماً وحفياً بأهله كان يصرف على أبنائي رغم وجود والدهم.. قام بالمساهمة في بناء بيتي وترى اخته الصغرى «عبلة» كان حنيناً، ولا يعبر عن حزنه إذا حزن.. كان يهتم جداً بأخواته وأولادهن.. كان إذا جاء يوم العيد.. لازم يشتري للاطفال هدايا العيد.. وكان يجيب الكشاكيش للاطفال مهما كانت ظروفه.. من الأشياء التي أضرت بمسيرة مصطفى سيد أحمد تصنيفه كسياسي ينتمي للحزب الشيوعي.. ويؤكد الاستاذ عبد الرحيم محمد أحمد.. ان ابن خالته وصديقه منذ الطفولة «مصطفى لم يكن شيوعياً وإنما كان ديمقراطياً يحب الحرية.. وينحاز للمواطن البسيط.. والفقراء والمسجونين ربما لكونه تغنى لبعض الشعراء المحسوبين على اليسار جعلت البعض يصنفه كشيوعي.. وتؤكد شقيقته بخيتة ان مصطفى لم ينتم لحزب بعينه، ويؤكد عبد الرحيم بالقول ان الموجة التي كانت سائدة نهاية الستينيات وبداية السبعينيات هي الثقافة الاشتراكية وتأثر بها معظم الشباب يومذاك واعتقد مصطفى منهم.. ولم أعرف عنه إلتزاماً بالشيوعية. ملمح مختلف شاعرية مصطفى سيد أحمد اخذت ملمحاً مختلفاً منذ زمن باكر .. وتحكي آمنة سيد أحمد أخته الكبرى ان مصطفى سأل والدها يوماً «الحواشة دي شغال فيها ليك كم سنة؟!!» فأجاب الوالد «44» سنة!! وكان ذلك في عهد الرئيس عبود فجادت قريحته بنص شعري ينشر لأول مرة: عشرين سنة واتنين مضروبة في اتنين جينا الجزيرة نشوف فيها النعيم والزين شردنا كافر الجوع وأحوالنا صبحت طين بعد البقر والضان صبح الحمار مرهون سرج الحمار مجلوب ما لقينا ليهو زبون قبال يقوم العيش نفتش العربون والمكتب يتجاهل لي صيحة المغبون