رحلة طويلة امضاها ملحناً وعازفاً على آلة الكمان التي اجاد التعامل معها في روعة قليل نظيرها.. رحل عنا قبل عقد من الزمان وانغامه المؤثرة البديعة لم تزل تتخلل الحان اشهر الغناء ومنذ اربعينيات القرن الماضي.. حزنت كثيراً عندما نعاه لنا الناعي فقد مضى عجولاً اثر حادث حركة مشؤوم.. كنت التقيه كثيراً وتدور محاوراتنا دائماً حول آلة الكمان التي لا تفارقه خاصة وقد تولهت انا بمحاولة العزف على الكمان حتى انني امتلكت كماناً لم يزل محفوظاً لدي في مكتبتي كذكرى وكنت احرص على تسجيل احاديثي معه وقد نشرت بعضها ومن خلالها وقفت على بعض جوانب من سيرته العطرة الشيقة قال لي في احداها: (بدأت حياتي الفنية في قرية «السوريبا» احد قرى الجزيرة المعروفة منذ ثلاثينيات القرن الماضي ويصف لنا بعض انشطته في تلك القرية ذلك الزمان البعيد فقد كان يعمل بالزراعة.. وبينما هو ممسك بالطورية داخل مزرعته اذا به يسمع صوت آلة موسيقية ينبعث من مكان قريب فأعجبه الصوت الموسيقي هذا فأتجه صوب مصدره ليجد احد ابناء الغرب يعزف على آلة تسمى «ام كيكي» تتكون من قرعة ووتر واحد فتاقت نفسه لان يمتلك هذه الآلة.. وبالفعل اشتراها بعشرين قرشاً، ومن ثم بدأ يعزف عليها ألحاناً عفوية فازداد حباً لصوتها واصبح يفكر في تطوير هذه الآلة وفي مخيلته آلة «الكمان» التي كان يعزف عليها الخواجات، فاضاف وترين الى آلة «ام كيكي» وواصل بدر التهامي حديثه ليروي شيئاً من حكاياته الشيقة فقال لي: (ذهبت الى مدن واستلفت اول كمان من الاخ انور الحلاق وبدأت اتدرب معه بالحروف الهجائية اي «نوتة» فاتقنت العزف على الكمان في تلك الفترة». وقال بدر التهامي: اتصل بي الفنان الشبلي محمد سليمان وكان ابرع فنان في مدني حيث كان يعمل ثنائياً مع الراحل ابراهيم الكاشف وانخرطت في العزف معهما.. واذكر انهما كانا يتغنيان باغاني «المساح» وبعض الشعراء، ثم انفصل الكاشف عن الشبلي ومضيت اعزف للكاشف بالكمان منفرداً الى ان تكونت فرقة كاملة من العازفين. ويجيب على اسئلة مبعثرة.. منها كيف كان القفز من مدني الى العاصمة ضمن فرقة الكاشف؟ قال: جاءت الفرقة الى العاصمة وكانت تتألف ذلك الزمان من صديق عثمان- وعبدالمنعم عبدالسلام ومحمود محمد جادين- وابوالسباع وشخصي، كان ذهابنا بدعوة من المرحوم احمد خير المحامي- حيث قدمنا اناشيد بنادي الخريجين كان ضمنها نشيد الى العلا- وصه يا كنار- وصرخة روت دمي- وكلها من الحان الموسيقار اسماعيل عبدالمعين، وقد صادفنا في النادي الفنان الراحل حسن عطية واعجب بما قدمناه من اعمال وطلب منا انتظار افتتاح الاذاعة في العام 1940واول مؤتمر للخريجين كان في العام 1937 ورجعنا الى مدينة مدني العريقة.. ثم عدت الى العاصمة ثانية عند افتتاح الاذاعة في العام 1941 وكان مقرها في مكاتب البوستة بام درمان- فعملت مع الفنان التيجاني السيوفي وعبدالحميد يوسف والكاشف، وكرومة وسرور «اللهم ارحمه واحسن إليه ونسألك ان تسكنه الفردوس مع الشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا».