كانت لحظة سودانية خالصة لحظة استقبال الفنان والاذاعي والكاتب المسرحي المتميز خطاب حسن احمدمن مهجره في الولاياتالمتحدةالامريكية.. زغاريد شقيقات المحتفى به العائد خطاب لونت أصداؤها ردهات صالة الوصول، احتشد لاستقباله الزملاء بالوسط الفني والاصدقاء الذين جمعهم بخطاب رحم الفنون الذي يسع طيفاً واسعاً من الشعراء والدراميين والكتاب صار الناس في هذا الزمان يطلقون لقب الفنان الشامل بصورة جذافية على كل شخص ولكن خطاب حسن احمد هو صاحب الحق الشرعي الاصيل فيه. خطّاب سيرة الإنتماء انتمى خطاب باكراً لعالم الفنون تحديداً الشعر والدراما وجدت مواهبه الاولى كممثل تقديراً من اساتذته وزملائه ونبغ في هذا المجال ابان دراسته بمعهد الموسيقى والمسرح الذي تخرج فيه اواخر السبعينات وجيله من المبدعين الذين عمروا الساحة عبدالعزيز العميري ومحمد عبدالرحيم قرني الذي اشترك معه في تجسيد رؤية المخرج ابراهيم شداد في فيلم «حبل» الحائز على عدة جوائز عالمية واقليمية. والفيلم يجسد حقبة من التاريخ السوداني ابان التركية ويروي قصة كفيفين هربا من بطش الترك يمسكان بحبل يقوده حمار ليعود بهما الحمار لذات النقطة التي حاولا منها الهرب والفيلم يعكس رؤية سياسية انسانية لمفهوم الموت ومفهوم الحرية ومفهوم القدر الذي يحكم حركة الانسان بين قوس الحياة والموت. خطّاب الفنان الاذاعي يصعب اطلاق كلمة مخرج اذاعي على خطاب كما ان كلمة منتج برامجي لا تسعف على وجه الدقة لتوصيف مكانة خطاب واسهامه في حقل الفنون الاذاعية خطاب فنان اذاعي بامتياز خبر اسرار العمل الاذاعي ووضع فيه بصمته ولا تزال بصمته من حيث التجديد وابتداع قوالب العرض الجديدة والتصرف في مذاهب الفن الاذاعي ماثلة تنهل منها الاجيال، معظم خبرات خطاب وتدريبه داخل وخارج السودان كان في الفن الاذاعي والمهن الاذاعية إلا ان الدراما كانت ميدان عطائه الاوفى وبصمته فيها كانت الاوضح. «ناس».. الارتجال المنظم برنامج «ناس» الاذاعي علامة فارقة في تاريخ خطاب كمخرج فهو يعتبر شكلاً تجريبياً من اشكال البرامج خالف النمط السائد والمألوف لدراما الراديو بصورتها التقليدية المعروفة. يبدأ البرنامج بفكرة صغيرة يتم ارتجالها داخل استديو الاذاعة مثلاً نكتة المدير، التي يضحك لها مرؤسوه مجاملة رغم ان النكتة قد تكون عادية جداً. يبدأ الارتجال ويستلم الفنان محمد السني مثلاً شخصية المدير الذي لا يجيد اطلاق النكات ويضحك الموظفون ثم يتمادى المدير في اطلاق نكتة اكثر بياخة ويواصلون الضحك حتى تتحول الضحكات الى سلسلة من الهستريا ويتخيل المدير انه اصبح ممثلاً كوميدياً كعادل امام، يبدأ خطاب في اجراء اضافات اخراجية بسيطة موسيقية ومؤثرات وفواصل قصيرة دون ان يخل بعفوية الارتجال المنظم الذي يقوده في برنامج «ناس». المدينة تحاصر عبدالله تجربة مخاض المدينة تحاصر عبدالله ايضاً تعتبر من الاضافات الكبيرة في تطور مسارات الاخراج الدرامي للمسلسل الاذاعي جمعت بين خطاب المخرج وسعدالدين ابراهيم الكاتب ويمكننا وصف هذه التجربة بانها سيمفونية اذاعية معاصرة استطاعت ان توظف تنوع الاصوات وسلاسة القطع للمسامع الدرامية وتشابك خيوط الصراع وتتالى الحكايات من حكاية الى اخرى ضمن سلسلة ناظمة لعناصر القصة تدور جمعيها في مخيلة «عبدالله» التي جسدها جمال حسن سعيد. المدينة تحاصر عبدالله اعتمد فيها خطاب نهج التداعي الحر في الاخراج الذي يعتمد على تأسيس مناخ نفسي للشخصية يمكنها من الافضاء بمكنوناتها ومشاكلها وتعقيداتها مع المدينة والسرد القصصي أشبه بأسلوب الطبقات فيه الفنتازيا وفيه الواقعية. أثر هيلفرسم: في تقديري الخاص ان معهد هيلفرسم بهولندا الذي درس فيه خطاب منهج تحويل المعلومات الى دراما Dramatisation of information اثر كثيراً في تجربة خطاب المخرج الاذاعي ومنتج البرامج من بعد وقد لا يكون خطاب نفسه مدركاً لهذا الاثر فبعد عودته من هذا الكورس تحول كل انتاجه لاشكال البرامج الاذاعية لقوالب الدراما لا سيما تجربة البرنامج الثاني. تجربة البرنامج الثاني: انعقد لخطاب تكليف ادارة وتأسيس اذاعة البرنامج الثاني مطلع تسعينات القرن الماضي كان مدير الاذاعة وقتها الاستاذ الخاتم عبدالله ومدير الاذاعات الاقليمية والموجهة والمتخصصة الاستاذ صلاح الدين الفاضل بينما كان الاستاذ معتصم فضل مديراً للبرنامج العام دأب خطاب على ابتكار شكل اخراج جديد لبرامج هذه الاذاعة وعكف على تصميم شعاراتها وفواصلها وسعى لابتكار انماط غير معروفة من اشكال البرامج منها قراءات قصصية للطيب المهدي محمد خير الذي يعتمد على تطوير قوالب اداء متقدمة للقراءة القصصية تقترب من التجسيد الدرامي. التجريب والتحدي شخصية خطاب الاذاعية اخذت من تقاليد الاذاعة القديمة المعرفة باسرار المهنة وخبايا مخاطبة المستمع وجعله صديقاً للراديو ولخطاب معرفة عميقة بفنون الغناء القديم من لدن الكاشف وحتى جيل الهادي الجبل ومعرفته باسرار الغناء والموسيقى جعلته جزءاً من المزاج العام لنكهة الاذاعة السودانية فرغم حرصه على التجريب وتحدي الاشكال التقليدية للبرامج إلا ان هذا المزاج العام الذي ينظم نكهة الاذاعة جعله منسجماً مع طبيعة المستمع ليس فيه نشاز أو خروج سافر هدام عن التقاليد المهنية. الخبرات الإدارية خطاب حسن احمد يجمع بجانب المواهب الفنية الخبرات الادارية في ادارة فنون العمل الاذاعي وهو يعمل بنظام الفريق المتكامل الذي يدير ورشة عمل فيها المذيعون وكاتب النص والفني الذي يسجل العمل بالاستديو كما ان خطاب دقيق جداً في الوثائق والمكاتبات الادارية وتنفيذ الشؤون المالية المتعلقة باستحقاقات العاملين معه موظفين كانوا أو متعاونين وهذه الميزة لا تتوفر إلا عند قلة من المخرجين فغالبيتهم يشغلهم العمل الفني عن تجويد الجوانب الادارية. الهجرة والعمل الطوعي طالت خطاب كغيره في تسعينات القرن الماضي موجة الصالح العام التي كانت تخبط خبط عشواء لا تميز بين الخبيث والطيب وكان هذا القرار قاسياً جداً على خطاب الفنان والانسان معاً كما ان توقيت الاعفاء جاء في وقت بلغ فيه خطاب قمة نضجه وعطائه خطاب الذي اعرفه كان حزبه السودان ووطنه الاذاعة وعشقه اهل السودان بالسنتهم والوانهم ولكن ذلك العصر لم يكن ليتحقق من سير الرجال ومقاماتهم واوزانهم بل كان يأخذ الناس بالشبهات ولان معظم خبراته ومعارفه ارتبطت بالاذاعة عانى كثيراً ليجد عملاً يكسب منه لقمة العيش فعمل ببعض المنظمات الطوعية هنا وهناك ليؤمن لابنتيه «عزة وسالي» لقمة العيش الشريف ومصاريف الدراسة هاجر خطاب بعدها الى الولاياتالمتحدة وظل في مهجره يحمل الوطن في اعماقه لم يقترف ازاء وطنه وشعبه ما يشين ولم يتاجر بما حدث له في بورصة السياسة وان فعل كالآخرين لكسب الاموال والدولارات ولخسر نفسه ووطنه ولكن خطاب آثر ان يكسب نفسه ووطنه وان يعود مرفوع الرأس ليضرب المثال في الوطنية وعشق التراب ....