في الأنباء أن نحو مليون مواطن استقبلوا منتصف الأسبوع الماضي زعيم الحزب الاتحادي الديموقراطي (الأصل) محمد عثمان الميرغني في مدينة كسلا في أول زيارة منذ «25» عاماً إلى المنطقة التي يُحظى فيها بنفوذ كبير. ومع أن الرقم قد يبدو مبالغاً فيه مُقارنةً بعدد سكان كسلا، إلاّ أنّ ذلك لا يقلل من نفوذ الميرغني وجماهيريته في مدينة كسلا التي تُعد أحد أكبر معاقل الختمية على امتداد السودان، ولا أدل على ذلك من وجود أكثر من حي بالمدينة يحمل اسم الطريقة أو الأسرة، مثل حي الختمية، حيث ضريح «السيد الحسن» الشهير، وحي الميرغنية، بجانب نادي الميرغني الرياضي الأكثر شعبيةً في كسلا وسفيرها الأوحد في الدوري الممتاز. إذن فإنّ تدافع الجماهيرلاستقبال الميرغني للحد الذي جعل البعض يَتَحَدّث عن زلزال انتخابي في كسلا، من شَأنه توسيع خيارات زعيم الاتحادي في الانتخابات الوشيكة، خاصة بعد أن بدا أن الحزب يعول على التحالفات أكثر من خوض الانتخابات منفرداً. وإن صدقت هذه الجموع في ولائها للميرغني - الذي تراه لأول مرة منذ ربع قرن - فإنّه يمكن القول إن زعيم الاتحادي يملك ورقة ضغط مهمة يمكن أن تحقق له الكثير من المكاسب في حال قرّر سحب مرشحه للرئاسة حاتم السر من السباق الانتخابي لصالح حزب آخر. ورغم الأنباء - التي تزامنت مع الزيارة - عن اعتزام حاتم السر الانسحاب من السباق الرئاسي لصالح مرشح الحركة الشعبية ياسر عرمان، الاّ انّه من المستبعد أن يقدم الحزب الاتحادي على مثل هذه الخطوة. فعودةً الى الوراء قليلاً وتحديداً منذ عودة الميرغني الى الخرطوم وقراءة في تصريحاته - على قلتها - تشي بأن الاتحادي أقرب الى المؤتمر الوطني من كل القوى السياسية، بما فيها الحركة الشعبية التي أدارت ظهرها نهائيّاً للميرغني منذ رحيل قرنق وأيلولة الأمور من بعده الى نائبه سلفاكير الذي قيل إنّ وفداً اتحادياً (ختمياً) زاره في جوبا مُعزياً في وفاة قرنق ومهنئاً إيّاه بزعامة الحركة ورئاسة حكومة الجنوب ومُذكِّراً بتحالف الميرغني مع سلفه قرنق، فلم يزد سلفا على تذكير الوفد بأن «من كان متحالفاً مع قرنق فإنّ قرنق قد مات»، أو كما قال الراوي. يُضاف الى ما سبق أنّ قيادة الحزب الاتحادي تدرك أنه من الصعوبة بمكان إقناع قواعدها أو حملها على التصويت لصالح مرشح الحركة الشعبية وإن كان شمالياً مسلماً، ذلك ان حالة الفرز القبلي والجهوي والخطاب «الاستئصالي» لبعض القوى الصاعدة وحديثها عن بناء سودان جديد على أنقاض السودان القديم، جعل الخيارات واضحة ومحددة وإن تعارضت مع رغبات الزعيم. وبناءً على ما سبق يمكن القول، إنّ تلويح الاتحادي بالتحالف مع الحركة، قُصد منه حث المؤتمر الوطني على إسراع الخُطى للتلاقي في منتصف الطريق، ويعزز هذه الفرضية ان من يلوح بالانسحاب حتى الآن هو حاتم السر، وليس الميرغني، ما يعني أنّ الزعيم - الذي أيّد ترشح البشير قبل بداية الحملة الانتخابية - لم يقل كلمته الاخيرة بعد، ربما، في انتظار قراءة تأثير زلزال جبال التاكا، على مقر المؤتمر الوطني في الخرطوم بمقياس «نافع».