وصلتني خلال الفترة القصيرة الماضية عدة مؤلفات لكتاب ومبدعين سودانيين يعيشون ويعملون خارج السودان. وقد وجدت بتصفح أعمالهم ومطالعتها أن حياة الاغتراب أنضجت تجاربهم، وأفصحت معاناتها وعذاباتها عن كتاباتهم، وأصَّلت لواعج الحنين إبداعاتهم، وزكى الانتماء للوطن نتاجهم، إذ هم يترسمون خطى من سبقوهم من الشعراء والنقاد والرواة والقصاصين والمسرحيين، والصحافيين، فكانوا حضوراً مشرفاً في منابر الفكر وسوح الإبداع العربية والعالمية، ولم ينسوا ارتباطهم الذي لا ينفصم بالسودان، بل وثقوا لهذا الارتباط في كل كتاباتهم وإبداعاتهم. ولقصد التمثيل فقط، فقد قرأت كتاب الأخ الدكتور محمود محمد قلندر بجامعة قطر، والدكتور محمد بابكر عوض حول «اتجاهات البحث في علم الاتصال: نظرة تأصيلية «، وكتاب الصديق الدكتور عبدالمطلب صديق مكي، سكرتير تحرير صحيفة (الشرق)، عن «الإخراج الصحفي: الحلول الفنية لصحافة المستقبل»، وكتاب الأخت الصحفية عواطف عبداللطيف «حروف مبللة بالتراب «، الذي يمثل جماع تجاربها المتنوعة والغنية، التي حصدت غالبها في دوحة الخير. واطلعت على توثيق المحبوب عبدالسلام عن «دائرة الضوء وخيوط الظلام: تأملات في العشرية الأولى لنظام الإنقاذ». وفي انتظار الظفر بنسخة منضدة، قرأت عن كتاب الدكتور النور حمد، أستاذ الفنون بجامعة قطر، «مهارب المبدعين: قراءة في السِّيَرِ والنصوص السودانية»، وتفحصت مقدمته الرصينة التي خطها يراع الأستاذ الباحث عبد الله الفكي البشير. وبالنظر إلى غلاف الدكتور النور سنجد نخبة من أسماء المبدعين الذين أسهموا في إخراج الكتاب ليرى النور. فقد صمم غلاف الكتاب، الذي يقع الكتاب في (380) صفحة من القطع المتوسط، الشاعر إلياس فتح الرحمن، والذي هو الناشر وصاحب دار مدارك بالقاهرة، ووضع خطوط العنوان الخطاط، السر حسن، واللوحة الفنية خلف العنوان للفنان، أحمد اللباد، وصمم المادة الداخلية الفنان محجوب المقبول ، إضافة إلى صاحب المقدمة، أي أن الغلاف وحده اشتمل على إبداعات ستة من الكتاب والفنانين. وهذا لعمري عدد كبير لأناس كبار. وأمامي قائمة طويلة من العناوين التي قام بتأليفها نخبة من الكتاب المبدعين في مهاجرهم، أو مهاربهم المختلفة، تنتظر فسحة وقت للاطلاع عليها والاستفادة منها، أو سانحة استعراضها لتعميم فائدتها. وحتى لا نقع في العجز الذي وصم به البروفسير عبد السلام نورالدين النخب السودانية، واعتقده سببا في هروبهم، حسب الإشارة التي أوردها الباحث عبدالله البشير في تقديمه، متحدثا عن تجاهل النخب لثراء السودان الواسع الذي تتمتع به الأمة السودانية، ينبغي أن نجد أشكالا من التنظيم والروابط، الذي تحفظ أصل العلاقة بالوطن، والالتزام بالتفوق فب الإبداع. وتتشاور الآن مجموعة من الأخوات والأخوة الكتاب السودانيين الذين يقيمون في منطقة الخليج حول تكوين رابطة مهنية اجتماعية، تضم كل أصحاب الأقلام. وتهدف لتحقيق التواصل، والتعريف بكتابات الكتاب وإبداعات المبدعين، وتطوير المهارات، وترقية الإبداع، ومد الجسور مع الوطن، ومع الروابط الأدبية والإبداعية العربية الأخرى في المنطقة. وتتمثل فيها الروح المتجاوزة لتعقيدات المكان، خاصة وأن الحركة والاتصال والتلاقي قد صارت ميسرة وممكنة في منطقة الخليج. ولا تتجه الفكرة لتأسيس مدرسة جديدة لأدب المهجر، ذلك المصطلح القديم المتجدد في وعينا السوداني الحديث، ولا تنزع لاحتكار إبداع من طبيعته الطلاقة والانطلاق من عالم الضرورة وقيوده، ولكن إدراكاً لحقيقة أن ظروفاً مختلفة، طوعية وقسرية، حكمت على عدد كبير من المبدعين أن يهاجروا ويغتربوا، فهم الآن ينشطون، ويكتبون، ويبدعون، ويصيغون الآداب، ويقرضون الشعر، ويمارسون النقد في المهاجر، أو المهارب، وحان الوقت لتجميع الثمرات الموجبة للتجارب الإبداعية المختلفة، لمصلحة التعريف بها، وتعظيم الاستفادة منها. وتتلخص الفكرة الوظيفية لهذه الرابطة في خلق آلية تنسيقية تستجمع أخبار جهد كل الروابط والإتحادات القائمة في المناطق المختلفة، أو تلك التي يمكن أن تقوم في المستقبل، لتوسيع دائرة البلاغ بها عبر الوسائط الإعلامية المتنوعة. وتعمل على تنظيم لقاءات ومنتديات ومؤتمرات تُعنى بقضايا الإبداع بشتى ضروبه وصنوفه. ومثلما اجتمع ستة من مبدعينا لإنجاح فكرة غلاف كتاب الدكتور النور حمد، الذي يؤشر على حالهم بمنطوق عنوانه، ويعنيهم بموضوعه، فإن اجتماع الجميع في رابطة سيتيح لكل الأعمال الإبداعية أن تزهو بأحرفها. ولا يخالجني شك في أن عدد المبدعين السودانيين في دول الخليج كبير؛ تتنوع إبداعاتهم، وتتعاظم اسهاماتهم لخدمة وطنهم وحيث هم مغتربون. ولا تخلو مدينة من مدن المنطقة من أسماء لامعة، وسِير نضية، لصحافيين وكتاب وشعراء وفنانين وخطاطين وتشكيليين ومؤلفين، ومبدعين في كل فن. ورغم أنه لا تنقصهم المعرفة، إلا أنهم في حاجة لتعارف فيما بينهم، وتعريف بأعمالهم لمن هم خارج دوائرهم، فلهم من الانتاج ما يستحق نشره وبث قيمته بين الأمصار. فإن تراضى الناس على ضرورة قيام رابطة عامة بهذا الشكل الواسع، فلا بد من لقاءات تتعدد في الدوحة، وغيرها من حواضر المنطقة، حتى يتمكن أكبر عدد من الحضور والنقاش والتداول وإثراء الفكرة. ويلزم كمدخل تطمين التنبيه إلى أن هذه الفكرة ليست سياسية، ولا ترغب في إلغاء انتماء أحد، ولا تلغي ولا تتغول على حق أية رابطة قطرية أو مناطقية عاملة في أي من بلدان الخليج، وإنما تكملها وتتكامل معها كمظلة عامة لخدمة هدف عام. ولأن الدوحة هي عاصمة الثقافة العربية لهذا العام، فإن الرأي الراجح يقول بضرورة عقد لقاء سريع بين المهتمين من الكتاب والمبدعين في الدوحة، للتفاكر في أمر تكوين رابطة عامة أولا، وتوصيف الوسائل المثلى لإنجاح فكرتها ثانيا، والتبشير برسالتها التضامنية، ومن ثم تبادل الرأي حول الكيفية التي يمكن الإسهام بها في فعاليات الدوحة الثقافية، كمساهمة سودانية خالصة، خاصة وأن دولة قطر تبذل في ذات الوقت جهودا مقدرة لمصلحة السودان، تستحق منا الاعتراف بها، والترحيب بجهدها، وتكريم مساهماتها.