(1) إجتذبت بلاد العجم زوج (سلمى) بمنحة دراسية كانت الآمال أن تغير مجرى حياتهم لكن حصل العكس، فبعد ثلاث سنوات عاد الطائر الى عشه غريباً يهيم بعيداً عنها في عالمه الخاص تقترب منه فتجده كسراب، ظل دافعها الحب الذي ربطهما أعواماً.. وأعواماً فلم تفقد الأمل في إستعادته بالرغم من الفقر الذي ألقى بظلاله على حياتهما، وبالرغم من أنه أصبح بعيداً عن أطفاله وعنها لدرجة أخافتها لكنها أصرت على الوقوف بجانبه. مرت السنوات والعلاقة بينهما تتذبذب مداً وجزراً حتى تصدع الأساس، أحست بالضعف وهي تسبح وحيدة ضد التيار وإزداد إحساسها بالوحدة عندما طلقها، أدركت حينها سهولة التنازل عنها حاربت لحماية عشها الصغير رغم الألم والصراع وتنصل الزوج من المسؤولية ومعاملته لأبنائه أسوأ معاملة وحرمانه لهم من حقوقهم المادية، فقررت أخذها بالقانون.. عندها لم يرحمها المجتمع خاصة مجتمع النساء فأخذن يتهامسن: (الراجل باب يزيح الكلاب) فترد عليهن الكلاب أزيحها بمخافة الله، يخفنها بأن ابنتها لن تتزوج، تقول: المجتمع لا يرحم لكنه لن يلحق بي الأذى فقد كشط اسمي من قائمة المتزوجات وأدرج في قائمة المطلقات وأنا أعمل والعمل عبادة. هكذا هي (سلمى) تجتهد لكي تربي أبناءها بتعبها وعرقها خياطة أحياناً وتاجرة أحياناً أخرى وأم بدوام كامل. (2) (أحلام) بطلة لرواية حقيقية وهبت زوجها الحب وسكنت معه في غرفة واحدة في بيت أهله، يملأها الخجل وهي عروس تذهب إلى (حمام) الجيران لتستحم، سافر زوجها بعد الزواج بفترة قصيرة ليجد عملاً، وبعد أن عاد عاشت معه في بيت متواضع بلا كهرباء ولا ماء على أمل أن يكون عشهما الصغير (الخاص) رزقت بابنها الأول ثم الثاني لكن طوال الوقت أرهقها تدخل أم الزوج في كل تفاصيل حياتها، بعد إنجابها لابنها الثاني عانت من إنفصال في شبكية العين غادرت إلى السعودية مستشفية إلاّ أن العملية لم يقدر لها النجاح إلتقته ليواسيها وهي تخبره بفشل العملية لتفاجأ بأنه لا يرغب في مواصلة حياتهما الزوجية وهي ضريرة وكانت الصدمة أكبر من إحتمالها عندما قال: أنت غير قادرة على الإهتمام بشكلك وجمالك فكيف تكونين وأنت عمياء قادرة على الإهتمام بالأطفال وتحمل مسؤوليتهم؟.. عادت بذاكرتها إلى اليوم الذي رمي فيه زوجها يمين الطلاق وبالرغم من عجزها جاءته في كامل زينتها دخل (هو) إلى البيت ورمى بالقنبلة ليترك جدران ذلك العش تتصدع دون أن يرف له جفن. بدأت معاناة (أحلام) بعد الطلاق عندما أخلى الزوج طرفه من بيت الحكومة الذي تسكنه هي وأبناؤها وأرسلت لها المحكمة إنذاراً بالطرد.. عادت إلى بيت والدتها وعانت وحدها في تربية الأطفال.. الدراسة ومتطلبات الحياة التي لا تنتهي وهو يكرر دوماً في جحود أنها غير جديرة بتربية الأطفال وتحت ضغطه لتتخلى عنهم، تركتهم له أملاً في أن يهتم بهم ويراعيهم (بعينيه) لكنها ندمت فأطفالها كما تقول يسوء وضعهم يوماً بعد يوم وأكثر ما يقض منامها بُعدهم عنها فهي أم حرمت من الوقوف على تفاصيل فلذات كبدها وامرأة لم تجد مقابل التضحية إلاّ النكران والجحود. (3) تتذكر (س) كيف تسرب إلى دواخلها شيئاً فشيئاً وهي لا تزال طالبة بالجامعة وقتها لم تلحظ كم كان يغار عليها، تعلقت به حد الإدمان، وبعد أن غادرت مقاعد الدراسة تقدم لخطبتها من عمها وتعاقبت الأحداث حتى إجتمعا في بيت الزوجية، ثلاثة أشهر حولها إلى جحيم بالشك والغيرة والتملك إحتجزها في البيت وغلقَّ عليها الأبواب إحتجت بصمت لأنها على حد قولها يتيمة ومكسورة.. إصراره على ترويضها أطاح بكل نواياها في التعقل فقفزت من الطابق الثاني هرباً من معتقل الزوجية وتوجهت الى بيت إحدى صديقاتها من زمن الجامعة في الثانية صباحاً والألم يحاصر كل جسدها، ظنت أن الدم الذي غطى ملابسها ناتج من أثر السقطة لكن آلام بطنها أيقظتها من ظنونها على واقع أنها كانت حامل وأن جنينها مات دون قصد منها بعدها أرادت الطلاق ثمناً بخساً لحريتها وهي تحس ببركان من الغضب يتفجر داخلها، لم تترك لها الحياة وقتاً للأسى على نفسها فدفعتها الظروف للبحث عن «لقمة العيش» هامت على وجهها شهور بعد أن تدبرت سكناً مؤقتاً بإحدى الداخليات، لفظتها أماكن العمل الواحدة تلو الآخر حتى أصبحت تبيع الشاي في أحد الأسواق وسط عالم رجولي لا يرحم، تعمل منذ الفجر حتى الغروب إعتادت أن تتورم قدماها من العمل وإعتادت أن ترمقها النظرات التي يحمل بعضها الرغبة وبعضها الإستفهام، عرض عليها بعض الرجال الدنانير - دون حياء - لقاء ليلة أو جلسة أنس وهي لا تمل تكرار رفضها لتكسب بالحلال، تعيش ملفوظة من جيلها لأنها مطلقة بالرغم من أنها في الخامسة والعشرين.. هي نفسها تقول إنها تحس بأن روحها قد شاخت وأن حياتها إنتهت قبل أن تبدأ.