من الأقدار التى تلاعبنى من حينٍ لآخر أنّ لى سِجلّين دائمين فى مجلسين (والدوام لله), مجلس الصحافة والمجلس الطبّى... يعمل السِجلان فى إنسجامٍ دائماً ويتعاركان أحياناً تَعَارُكاتٍ ناعمة مثلما تتعارك الإمعاء الغليظة مع الإمعاء الدقيقة! الأسبوع الفائت أفتى المجلس الطبّى (فتوتين)... الأولى إعلان تبرئة مقروناً بتوضيحٍ لوظيفته العامة... فقد ضخّت ماكينة الأخبار بدرجاتٍ متفاوتة من الدقّة الخبريّة أنّ المجلس الطبّى سيشرع فى فصل النوّاب المُضْرِبين, ممّا دعا المجلس للنفى المُغَلَظ... إذ ليس للمجلس علاقة بالأطباء سوى تسجيل وضبط درجاتهم المهنيّة, ومراقبة إلتزام الممارسة الطبيّة بأخلاق المهنة... وهو تصويب فى محله فالمجلس الطبى لا ولاية له على الأطباء خارج حدود أخلاق المهنة! هذا التصويب كان فرصة للمجلس الطبّى كى يصرّح أو يلمّح بانّه لا يتبع لوزارة الصحة فهو يتبع بشكلٍ مباشرٍ لمجلس الوزراء ولا يحشر نفسه بين الأطباء ومُخدّمتهم وزارة الصحة... ولازَمَ التصويب نوعٌ من (التَخَاشُن) الناعم مع صحيفتين إحداهما هى (الصحيفة) التى نلتقى فيها كل يوم بقرّاء أذكياء فى الداخل والخارج! أَبْرَأَ المجلس الطبّى ذمّته من إتجاه الفصل أو الشطب للأطباء المُضْرِبين... ولم ينتهز المجلس الفرصة المُمَهَدة ليُقَدّم فتوى ليست بعيدةً عن إختصاصه, فيفتى هل إضراب الأطباء مهما كانت وجاهة أسبابه هو من أخلاق المُمارسة الطبيّة! بعيداً عن ذلك ظهر فى ذات تلك الأيّام بصحيفة يوميّة أنّ المجلس الطبى يحذّر المواطنين من أمطار حمضيّة ستهطل على السودان أواخر شهر مارس الجارى ستكون سبباً لسرطان الجلد لمن يتعرّض لها... جاءت الفتوى العلميّة على لسان نائب رئيس لجنة الشكاوى بالمجلس الطبّى, مع إنّ أحداً لم (يشكو) له... هذه الفتوى يمكن أن تنعقد لوزارة الصحة أو مستشفى الجلديّة التخصّصى أو هيئة الأرصاد الجوّى أو المجلس القومى للبحوث أو (ربّما) جهاز المخابرات الوطنى, لكنّها لا تنعقد للمجلس الطبّى وفقاً لصلاحياته التى حدّدها لنفسه بنفسه! عملاً بأخلاق السِجلّين الدائمين وشرف مهنتيهما أضع بكل التوادد المجلس الطبى فى عينى اليمنى, ومجلس الصحافة فى عينى اليسرى!!