هذه واقعة تظهر شجاعة وجرأة واستقامة مولانا أبيل ألير رئيس المفوضية القومية للانتخابات، ومن العجيب ان تقترن مع أداء أول عمل يقوم به كقاضٍ جديد. لقد انخرط أبيل ألير في السلك القضائي فكان أول قانوني جنوبي يعين كقاضٍ لقدراته وكفاءته القانونية، وكان لافتاً باناقة مظهره وانضباطه وأدبه ورصانته، ونقل إلى مدينة الأبيض بغرب السودان، وكانت محطة مهمة ومثيرة في مسيرته القضائية، فقد تزامن وصوله مع واقعة خطيرة في مطلع العام 1960، إبان الحكم العسكري النوفمبري 1958-4691م وقد بدأت آنذاك مؤشرات حركة المعارضة الوطنية ضد الحكم العسكري في عدد من مدن السودان وبينها الأبيض، ولدى وصوله وهو القاضي الشاب الحديث بالعمل القضائي كلف بالاضطلاع بمهام القاضي المقيم الذي غادر لعطلة، وتلقى أبيل ألير شكوى مفادها ان محامياً معارضاً اعتقلته قيادة الجيش بمقرها بالمدينة وتعرض للتعذيب ووضع في الحراسة، فسارع على الفور وهو القاضي الصغير الجديد بالاتصال بالحاكم العسكري الذي كان آنذاك الحاكم بأمره وأبلغه أنه تلقى شكوى باعتقال محامٍ وتعرضه للتعذيب وأنه يطلب احضاره إلى مكتبه للتحري في الأمر، ولم يستجب الحاكم العسكري لطلبه بعد مضي «24» ساعة وهي الفترة التي حددها القاضي لاحضاره، وفوجئ القاضي العسكري في اليوم التالي، أن القاضي الجنوبي الشاب جاء بنفسه في القيادة العسكرية ليقول له بكل أدب: «سعادتك» إن طلبي باحضار القانوني المعتقل لم ينفذ بعد مضي «24» ساعة وأنه جاء بنفسه للقائه في مقر حبسه وأنه يريد رؤيته والتحري معه دون وجود أو حضور أحد معه، وأمام المفاجأة والطلب المباشر الواضح وافق الحاكم العسكري باجتماع أو لقاء القاضي مع القانوني المعارض والذي أكد له «انهم ضربوه وعذبوه بوحشية»، وسارع القاضي أبيل ألير باعداد تقرير دقيق وافٍ وأرسله إلى رئبس القضاء في الخرطوم. كيف جاء رد الفعل في القضائية ولدى الحكومة وفي القيادة العامة بالخرطوم؟ ? نواصل