الاهتمام الاعلامى بكارثة بركان آيسلندا الثائر الذى ارغم اوربا على اغلاق مجالاتها الجوية والغاء شركات الطيران آلاف الرحلات، لم يثن البريطانيين من متابعة الحملات الانتخابية المحمومة فى بلادهم ، فالانتخابات البرلمانية التى حدد لها السادس من مايو المقبل توقع لها محللون بأن تكون الاكثر تنافسية وتطرح امام الناخب البريطانى خيار خمس سنوات أخرى من حكم العمال بزعامة غوردون براون، أو خيار التغيير الذى يرفعه زعيم المحافظين دايفيد كاميرون على خطى اوباما ، وسيجد الحزبان الكبيران فى بريطانيا منافسة كبيرة من قبل حزب الليبراليين الديمقراطيين، بزعامة نيك كليغ، الذى يصور نفسه بالقادر على حماية الشعب من رعونة «المحافظين» وتردد «العمال» في معالجة الوضع الاقتصادي. وشهدت بريطانيا لاول مرة فى تاريخها مناظرة تلفزيونية بين الزعماء الثلاثة، ووصفت بعض الصحف البريطانية المناظرة التي أجريت في مانشستر بأنها مناظرة تاريخية، وتواجه قادة الأحزاب الثلاثة في المناظرة التي بثت على الهواء مباشرة واستمرت لتسعين دقيقة من النقاش الساخن وتابعها أكثر من ثلاثين مليون مواطن بريطاني، وأشار استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «بوبيولاس» لصالح صحيفة تايمز البريطانية إلى أن (61% ) من المستطلعة آراؤهم أجمعوا على أن كليغ كان الفائز على منافسيه، ذلك في مقابل( 22% ) لكامرون و(17% ) لبراون، حيث استطلعت آراء أكثر من ألف شخص بعد انتهاء المناظرة. كما عبر (41%) من المستطلعة آراؤهم عن رغبتهم في أن يصبح كليغ رئيسا للوزراء في البلاد، في مقابل (36%) لصالح كامرون و(23% ) لصالح براون، واذا حافظ كليغ على تقدمه فى الجولة الثانية من المناظرة بعد غدٍ الخميس فانه بلا شك سيحدث انقلاباً كبيراً فى السياسة البريطانية التى ظلت تحت سيطرة الحزبين الكبيرين العمال والمحافظين، وفي تطور غير مسبوق اظهر استطلاع للرأي نشر السبت أن حزب الليبراليين الديمقراطيين بزعامة كليغ احتل المرتبة الاولى، بعد المناظرة التلفزيونية وحل حزب العمال الحاكم، وفق استطلاع مؤسسة «يوغوف» لصالح صحيفة «الصن» في المرتبة الأخيرة، بين الأحزاب الرئيسية الثلاثة في بريطانيا. والمحور الاقتصادى سيكون هو الحاسم فى هذه الانتخابات التى صممت لاقالة عثرة الاقتصاد البريطانى الذى يعانى من مضاعفات الازمة المالية العالمية، ويرى المراقبون ان الحزب الذى سيفوز فى الانتخابات هو صاحب الرؤية الخاصة بمدى سرعة الحكومة المنتخبة فى خفض العجز في الميزانية العامة الذي ارتفع لمستويات قياسية بعد أن ارتفع الانفاق العام , حيث تراكمت الديون العامة و تتزايد التوقعات بأن ترتفع نسبة الديون إلى الناتج المحلي الإجمالي فوق مستويات (12%) خلال العام الحالي، فمهمة الحكومة القادمة بالدرجة الأولى معالجة هذا العجز، والازمة الاقتصادية ستشكل ربما للمرة الاول محور الحملات الانتخابية التى انطلقت فور اعلان براون عن موعد الانتخابات وغير الحملات السابقة سيكون الاقتصاد فى الصدارة ثم العلاقات الخارجية والاندماج الاوربى ومحاربة الارهاب وغيرها من الموضوعات، ولكن موضوع خفض الانفاق العام كحل لعجز الموازنة بحسب المراقبين سيثير جدلاً واسعاً بين زعماء الاحزاب الثلاثة ، وكان براون قد صرح فى وقت سابق أن كبح مستويات الانفاق بسرعة يشكل مخاطر كبيرة جداً على مسيرة الانتعاش، في الوقت الذي يرى فيه المحافظون الحل لتقليص العجز هو خفض الانفاق العام، ولكن الفشل في الانتخابات بتحقيق أغلبية في البرلمان من كلا الطرفين ستضعف مسيرة الإصلاح الاقتصادي وقد يعرضها لخطر عدم القدرة على سداد الديون العامة, أو تخفيض التنصيف الائتماني. وتتنافس الأحزاب الثلاثة - بمعية عدد آخر من الاحزاب الصغيرة والهامشية - على (650) مقعداً في مجلس العموم، وهو عدد يزيد بواقع اربعة مقاعد على المجلس الحالي بعد ان أجريت بعض التغييرات في حدود بعض الدوائر الانتخابية، ويتعين على الحزب الفائز في الانتخابات بالاغلبية ان يحصل على (326) مقعداً على الأقل ليتمكن من تشكيل حكومة اغلبية، وإلا سيتعين عليه اللجوء للتحالف مع احد الاحزاب الاخرى. يدخل حزب العمال، الذي يحكم البلاد منذ ( 13) عاماً الانتخابات وهو يتمتع باغلبية (48) مقعداً في مجلس العموم، اي ان خسارته ل (24) مقعداً ستعني خسارة الاغلبية التي يتمتع بها، ومهما تمخضت عنها الانتخابات من نتائج، سيتغير شكل مجلس العموم تغييراً جذرياً عما هو الآن، وهناك توقعات كبيرة بأن تنجح أول امرأة مسلمة في الحصول على عضوية البرلمان، ومن المرجح أن يزداد عدد المقاعد للمسلمين وقالت صحيفة «مسلم نيوز» إن من إجمالي ( 16) مسلمة يخضن الانتخابات تصل نسبة التوقعات بفوزهن بمقاعد بالبرلمان للمرة الأولى إلى (25%) .وغالبية المرشحات المسلمات من أصل باكستاني. ورجحت الصحيفة أن يتضاعف إجمالي عدد النواب المسلمين خلال الانتخابات المقبلة بزيادة نائب أو اثنين عن حزب المحافظين لأول مرة وكان أول مسلم انتخب لشغل مقعد بالبرلمان العام 1997 فيما كان الثاني في العام 2001 ثم تضاعف العدد مرة أخرى في الانتخابات الماضية ليصل إلى أربعة نواب جميعهم من حزب العمال. ويذهب المحللون السياسيون الى ان هذه الانتخابات تشكل اهمية خاصة لبراون ليؤكد من خلالها الخروج عن جلباب سلفه تونبي بلير، فبعد ثلاثة اعوام على خلافته تونى بلير ذى الشعبية الكبيرة، يجد براون نفسه لا يحظى بشعبية واسعة فى بلاده رغم الاحترام الذى يجده فى الخارج، فالانطباعات الشعبية الداخلية عنه انه قاس ومرتاب واخرق وقليل الصبر، ويحتاج براون الى الرد على هذه الانتقادات ويصل الى شارع (10) مجدداً ومنتخباً هذه المرة وليس خليفة لتونى بلير الذى دفعت تداعيات الحرب على العراق وانقياده الاعمى خلف الرئيس الامريكى السابق جورج بوش الى الاستقالة فى مايو من العام 2007 ورغم المتاعب التى سببها اداءه السياسى للحزب قدم توني بلير دعمه لخلفه غوردن براون، ومن المقرر أن يشارك بشكل نشط في حملة حزب العمال وفق استراتيجية تعتبر ذات حدين، بسبب انقسام الرأي العام البريطاني بشأن رئيس الوزراء السابق وفي خطاب هدف من خلاله إلى إثارة الحماسة بين العماليين وحثهم على المشاركة، أثنى بلير على براون في بادرة جاءت مفاجئة، بحسب المراقبين نظراً للعلاقات المتوترة التي كانت قائمة بينهما في الماضي.