انتهت العملية الانتخابية في السودان، بكل ما حملته من اثارة وأحداث، وقد احتلت أخبار السودان جانباً كبيراً من أخبار الفضائيات خاصة العربية فكانت دعاية له وابرازاً للجوانب الايجابية فيه. لقد افرزت الانتخابات واقعاً جديداً يجب القبول به، فالحزب الحاكم (المؤتمر الوطني) اكتسح هذه الانتخابات وفاز بمعظم مقاعدها ما يؤهله لقيادة البلاد في الفترة المقبلة، ولم يكن محتاجاً لتزوير هذه الانتخابات ليفوز بها، فالقوى المنافسة له من احزاب المعارضة كانت ضعيفة للغاية فالأحزاب لم يكن لها القواعد الجماهيرية الكافية لتؤهلها للفوز خاصة وان (80%) من الأجيال الحالية لا تعرف شيئاً عن هذه الأحزاب حتى من تجاوز الخمسين عاماً من العمر نشأوا وترعرعوا في ظل الانظمة الشمولية التي حكمت البلاد لأكثر من ثلاثة وأربعين عاماً منذ الاستقلال. واضافة للطابع الأسري والطائفي لهذه الأحزاب التي لم تستطع ان تستقطب فئة الشباب وهم قوة مؤثرة في العملية الانتخابية انحازوا لحزب (المؤتمر الوطني). وعلى ذكر التجاوزات في الانتخابات تحضرنا قصة جيري الانجليزي (gerry) والذي أصبح اسمه مصطلحاً للتلاعب في الانتخابات (gerry mandering) فقد اشتقت الكلمة الانجليزية من اسمه حيث كان في العام 1812م حاكماً لمقاطعة ايسكس البريطانية (Essex)، قام بتقسيم هذه المقاطعة إلى مقاطعات أصغر مما مكن حزبه من الفوز في الانتخابات. لقد تكلفت هذه الانتخابات أموالاً طائلة يقال إنها (300) مليون دولار وهو مبلغ كبير تحتاج إليه البلاد لدعم مشاريع التنمية فهو يكفي لإعادة تأهيل مشروع الجزيرة أو انشاء مدينة طبية تغني عن السفر إلى الخارج للعلاج أو جامعة حديثة للتكنولوجيا، ولكن قيام هذه الانتخابات كان مهماً لمقابلة متطلبات اتفاقية السلام في نيفاشا واضفاء الشرعية على نظام الحكم لمواجهة التحديات المقبلة. مشاهدة وقائع الانتخابات في الجنوب في ظل حكم الحركة الشعبية وهو سيناريو مبكر للاستفتاء لانفصال الجنوب الذي بالطبع لن يكون شفافاً أو نزيهاً وسيرفضه الشمال ما يعيد الأمور إلى المربع الأول من صراع، الأمر الذي يتطلب التحوط له مالياً ولوجيستياً خاصة وان محور هذا الصراع سيكون النفط. قضية مثلث حلايب طفت الى السطح في هذه الانتخابات خاصة وأن مفوضية الانتخابات قد خصصت لها دائرة انتخابية هي الدائرة رقم (1) البحر الأحمر لاثبات الحق السوداني في أرضه. ولم تقصر السلطات المصرية، حيث منعت موظفي المفوضية من إجراء الانتخابات في هذا المثلث مثلما فعلت مع التعداد السكاني وذلك لتكريس الاحتلال المصري لهذا المثلث وخلق واقع على الارض بتمصير هذا الاقليم. وقد تسلل مواطنو المثلث الى خارجه وادلوا باصواتهم لمرشح المؤتمر الوطني الذي أصبح نائباً عن هذه الدائرة، لا شك ان واجبه ان يسلط الاضواء على قضية هذا المثلث، ولن تغفل الاجيال المقبلة هذه القضية او تساوم في مسألة التفريط في هذا الساحل، خاصة وأن المصريين قد فعلوها من قبل في اواخر القرن التاسع عشر في العام 1895م بضم الأرض السودانية جنوب خط عرض (24) درجة شمال حوالي (240) ألف كيلومتر مربع. فحدود السودانحسب الأنباء التاريخية الموثقة بالخرائط لدى دور الوثائق والجامعات البريطانية كانت تمر بخط العرض (24) درجة شمالاً إلى (5) أميال جنوبأسوان، وعلى البحر الأحمر تمر بمدينة برنيس الاثرية (30) ميلاً شمال مثلث حلايب أي ان السد العالي نفسه قد تم تشييده على الأرض السودانية ما كان يعرف تاريخياً بمديرية النوبة.