استضافتني ذات مرة اذاعة دولية للحديث عن تقاطع العلاقات الامريكية والصينية في افريقيا، وكان معي اثنان من الاخوة المصريين احدهما داخل الاستديو والآخر مثلي على الهاتف من امريكا، فلحظت ان الاسئلة الموجهة لي كانت منحصرة عن الشأن السوداني أي العلاقات الأمريكية والصينية مع السودان، فانتهزت فترة موجز الانباء وقلت للمخرج المسؤول، هل تظنون اننا لا نعرف شيئاً عن افريقيا، فالاخوان لا يتكلمان عن العلاقات المصرية انما في مجمل الشأن الافريقى. اذا لم يسألني المذيع بعد الموجز حول عنوان الموضوع سوف انسحب من الحلقة. وبالفعل بعد الموجز تحدثت في العنوان المطروح، وبعد نهاية الحلقة اتصل بي المخرج اتصالاً خاصاً وبعد ان شكرني واعتذر لي قال لي انني قد انقذت الحلقة. مناسبة هذه الرمية هي انني لحظت ان الاذاعات والقنوات الفضائية العالمية والناطقة بالعربية لا تستضيف السودانيين إلا للتحدث في الشؤون السودانية، لا بل لا يكون ذلك إلا في أوقات الأزمات فتصبح بذلك الاطلالة السودانية ما هي الا انعكاس لمستوى جديد من مستوى الأزمة، وبما ان السوداني المستضاف يكون دائماً منحازاً لطرف من أطراف الأزمة فإن الغسيل القذر يطفح من المقابلة، فتزداد صورة السودان السالبة قتامة. لذلك كنت وما زلت عندما أرى سودانياً في فضائية أو أسمعه من اذاعة إلا وأضع يدى على قلبى الى ان ينتهي، فبعضهم يريح الأعصاب ولكن بعضهم يرفع ضغط الدم، لا لعيب فيه انما لنشره لبلاوينا على الآخرين، وكم كنت أتمنى ان تكون القنوات السودانية واذاعته هي الأجهزة التى يمكن ان «يحت» السودانيون فيها «القرض» الى ما لا نهاية و«حت القرض» هو الوصول بالصراع الى نهايته لذا لزم التنويه. في الاسبوع قبل المنصرم وفريقنا القومي السوداني لكرة القدم «يشرط عينا» في اكرا ويدخلنا في اظافرنا وينكس رؤوسنا بهزائمه المتلاحقة والقبيحة، اطل علينا من قناة الجزيرة وجهان سودانيان رائعان يستحقان «تعظيم سلام» لانهما يجعلان أي سوداني يفتخر بهما حتى ولو كان في حالة خلاف مع ما طرحاه من افكار، الأول هو الدكتور حسن الترابى في برنامج بلا حدود مع احمد منصور المذيع الماكر «المتعجرف». فالترابي كان كعادته متألقاً مرتب الأفكار منساب اللغة جعل احمد منصور ينقاد له كالتلميذ المندهش بمنطق أستاذه، كلما حاول منصور ان يحصره في الشأن السوداني كان الترابى يتفلت نحو العالمي والاسلامي والمطلق، لم أكن «أنا» مهتماً بأفكار الترابى وآرائه فليس فيها جديد بالنسبة لي، ولكن كنت اتخيل انني عربى من بلد غير السودان، ماذا كان يمكن ان يضيف لي الترابى، فأحسب انه يمكن ان يضيف الكثير. أما الوجه الآخر فهو الدكتورة ناهد محمد الحسن وهذه أول مرة أراها على الشاشة وان كنت قد قرأت لها من قبل. استضافتها مذيعة الجزيرة «الراقية» جلنار في حديث الصباح فكانت الدكتورة رائعة لحد الادهاش، تحدثت حديث العارفين عن تعقيدات العلاقات بين الجنسين خارج اطار الزواج، تحدثت عن حصار الغرائز بالمكتسبات الانسانية. وقالت ان الميل للتعدد مسألة ثقافية وليست غريزية. وفي سؤال عن ميول المرأة نحو التعدد اجابت بالايجاب ودعمت اجابتها بالأمثلة لكنها لم تقل ان هذا غريزى أو ثقافي، اعجبني جداً حديثها عن ان البشرية تتدرج كل يوم نحو مراقي الكمال وبشرتنا بمستقبل أفضل «الله يفتح عليك يا دكتورة» لقد كانت ناهد وجهاً سودانياً مشرقاً تجعلك تفخر بسودانيتك