عملية الذراع الطويل التي قادت خليل وقواته إلى داخل مدينة أم درمان قبل عامين، اتفق كثيرون على اعتبارها مغامرة بكل معنى الكلمة، لكن ثمار تلك المغامرة غير المتوقعة باتت محل اختلاف، بين من يرى أن نجم خليل السياسي صعد بعد هجومه على العاصمة، وبات رقماً صعباً في معادلة دارفور يخطب جميع الوسطاء وده ويطلبون الجلوس إليه، ناهيك عن الخرطوم التي تراجعت بسرعة عن قرار عدم التفاوض معه، ووجدت نفسها تمضى معه إلى عدة جولات تفاوض خلال العامين الأخيرين، في المقابل، يقول آخرون إن هجوم خليل على أمدرمان كان مجرد مغامرة قصيرة النظر، لم يجن من ورائها أي مكاسب سياسية، بل دعمت موقف خصمه السياسي المؤتمر الوطني، وزادت من الالتفاف حوله. المتابع، يلاحظ الزخم الإعلامي والشهرة الواسعة التي حظيت بها العدل والمساواة وزعيمها د.خليل إبراهيم بعد غزوة أمدرمان، لكنه يلاحظ بسهولة أيضاً أن ذلك الزخم الذي أعقب عملية الذراع الطويل لم يتم استثماره لجني ثمار سياسية واضحة، فالحركة لم توقع حتى الآن اتفاقاً مع الحكومة تحصل فيه على نصيب من السلطة أو الثروة، كما أنها عجزت عن تسويق نفسها في الداخل كطرف يمتلك أجندة سياسية تحظى بقدر من الشعبية بين الجماهير، وعجزت أيضاً بعد هجومها على أمدرمان عن تحقيق وضعية ظلت تتحدث عنها وتتمناها طويلاً، وهي تثبيت نفسها كممثل وحيد -أو حتى أكبر - لأهل دارفور. بعد الهجوم، دخلت العدل والمساواة فيما يشبه العزلة، ولم يكن هناك حزب في الداخل يستطيع التعاطي معها، ويرى البعض أن طبيعة الحركة القبلية، حدت بصورة أو أخرى من فرص تمددها السياسي، فضلاً عن حساسية المواطن العادي إزاء الأعمال العسكرية التي تستهدف المدن، خاصة عندما تحوم حولها شكوك السند الخارجي. عملية الذراع الطويل، جنى المؤتمر الوطني وحكومته بعض ثمارها، إذ وقع مع حزب الأمة القومي التراضي الوطني بعد فترة قصيرة، قبل أن يبدأ مساعي تطبيع العلاقات مع تشاد التي انتهت بتوقيع اتفاق أنجمينا وتشكيل قوة مشتركة على الحدود لمنع تحركات المتمردين على الجانبين. الهجوم على أمدرمان، أتى في سياق تنبيه الدولة لضرورة إغلاق ملف دارفور كما يقول عبد الله آدم خاطر الكاتب الصحفي، فالعملية نبهت السودانيين إلى أن النزاعات مهما كانت محدودة وفي مناطق نائية ستكون لها آثار سالبة على الأوضاع العامة في البلاد وتطورها السياسي والاجتماعي، كما أنها نبهت الحكومة لضرورة التحرك الدبلوماسي الإقليمي والدولي، وبالتحديد إعادة بناء العلاقات السودانية التشادية، فلولا عملية الذراع الطويل لتأخر التوافق بين الخرطوم وأنجمينا طويلاً، ويضيف خاطر أن حركة العدل والمساواة ليس لها مستقبل إلا في السلام، فهي قد تنجح في القيام ببعض المناوشات لكنها لا تستطيع أن تهزم الدولة عسكرياً في نهاية المطاف. إن كان ثمة ثمرة لما أقدمت عليه حركة العدل والمساواة قبل عامين، فهي اقتناع الحركة وغيرها من الأطراف بأن عهد السيطرة على السلطة بالقوة قد انتهي، ويقرأ البعض في زيارة خليل للقاهرة قبل يومين، محاولة لطرح حركته على أنها باحثة عن الحلول السلمية، وهي ذات الرسالة التي حاولت الحركة البعث بها وهي توقع اتفاقاً في القاهرة مع حزب الأمة، وهي تعلن لاحقاً التوصل إلى تفاهم مع الحزب الاتحادي الأصل. لا يبدو أن حركة العدل والمساواة قد حصدت سياسيا الكثير من وراء عملية الذراع الطويل، باستثناء الزخم الإعلامي الذي جعل تعاطي أطراف عديدة معها يكتسب جدية أكثر مما مضى، كما دفع الهجوم الحركة للجلوس مع الحكومة على طاولات التفاوض وفي جعبتها الكثير من المطالب، من قبيل منصبي نائب الرئيس ووالي الخرطوم، مطالب لم يتحقق أحدها إلى الآن.