غير آبهين بما تشهده مجالس المدينة من جدل حول قانون الإنتخابات الذي يبدو مفتوح النهايات على أكثر من إحتمال، فإن ثمة سياسيين كباراً درجوا على القيام بزيارات نادرة في غير موسم الإنتخابات إلى ولايات السودان المختلفة بهدف الإطمئنان على ولاء ناخبيهم، أو بالأحرى تتحسس ما تبقى منهم منذ آخر إنتخابات حقيقية في العام 1986م، عندما كانت الطرق الصوفية والعشيرة والإدارة الإهلية وأحياناً المال والولاء الحزبي بالميراث، أبرز المفاتيح المؤثرة على العملية الإنتخابية وحمل المواطنين لدعم مرشح دون آخر. وعلى إختلاف أحزاب أولئك السياسيين الذين رافقت «الرأي العام» الكثيرين منهم إلى الولايات في الفترة الماضية، فإنهم ما زالوا عند قناعاتهم بجدوى تلك المفاتيح وقدرتها على فتح أبواب الإنتخابات القادمة ومن ثم الولوج إلى دهاليزها السرية، الأمر الذي دفعهم إلى مغازلة ناخبيهم من خلال الندوات واللقاءات التي يقيمونها، ويقدمون فيها وعوداً، مع شعارات سياسية فاسدة مرّ وقت إستهلاكها،ودفعني كذلك للبحث في التغييرات المحتملة بين مؤثرات إنتخابات 86م وإنتخابات 2009م، وما إذا كانت مفاتيح الأولى قادرة على فتح أقفال الثانية،خاصة وأن البلاد شهدت في المسافة الفاصلة بينهما تحولات جذرية ورياحاً سياسية عاصفة، كادت تتلف أقفال الشرق، وأبواب دارفور بعد ان وضعت مفاتيح أبواب الجنوب في جيب الحركة الشعبية. الأمين العام بالإنابة لأحد الأحزاب الكبيرة - أُمسك عن ذكر اسمه - قال في معرض رده على سؤال «الرأي العام» عن التأثيرات الإنتخابية المحتملة على الإنتخابات القادمة، قال إن المؤثرات هي القديمة ذاتها لم تتغير. وزاد، رغم سنوات الشمولية والقحط السياسي، فإن مفاتيح البيوتات الكبيرة والعشائر والإدارة الأهلية والطرق الصوفية قادرة على فك شفرة الإنتخابات المقبلة «إن شاء الله»، قال هذا بعد أن ثبّت بإحكام عمامته الآيلة للسقوط ، وكأنه يثبت من خلال ذلك ناخبي حزبه الذي إشتغل فيه معول الإنقسام، وتفرق ولاء منسوبيه بين تياراته المختلفة، إن لم يكن أحزاباً مختلفة كذلك. لا أدري لماذا أحسست وقتها وهو يقول «إن شاء الله» كأنه يقدم رشوة للظروف كي تكافئه بأن تجعل تلك المفاتيح المعطوبة ربما، قادرة على الفتح مجدداً. ولما كان حديث نائب الامين ذاك بحاجة إلى إختبار وإجابات تجيء من مختصين وتلك المفاتيح الإنتخابية خارج الخرطوم فقد إتصلت «الرأي العام» بعدد من رجالات الطرق الصوفية والإدارة الاهلية وآخرين وضعوا إجاباتهم بشيء من الثقة أسفل الأسئلة التي طرحتها. وجاءت إجاباتهم متفقة إلى حد ما، حيث ذهب شيخ خلاوي همشكوريب سليمان بيتاي إلى أن البيوتات الكبيرة سواءً أكانت طرقاً صوفية أو إدارة أهلية أو عشائرية ما زالت تجد الكثير من الإحترام، وكل التقدير ولكن لأسباب لا علاقة لها غالباً بالسياسة. ورأي الشيخ بيتاي أن زمان الولاء التقليدي للأحزاب الطائفية قد ولى، ولم يعد لكبير الأسرة أو القبيلة أو الطريقة فاعليته السابقة في توجيه مريديه و أتباعه ومؤيديه بالإشارة كي يدعموا مرشحا ما، مهما كانت درجة الإقتناع بذلك المرشح. وأردف بيتاي، ان انتماءه السياسي، للمؤتمر الوطني، لا يجعله يستطيع أن يوجه حيرانه المنتشرين في المنطقة من شمال كسلا وجنوب طوكر إلى بورتسودان، بدعم المؤتمر الوطني لسبب بسيط، هو إن مؤيديه وحوارييه لهم ولاءات سياسية مختلفة، للحزب الإتحادي وحزب الأمة وجبهة الشرق وحتى الحركة الشعبية، وعلى ضوء ذلك فإن توجيههم بدعم مرشح ما لن يجد آذاناً صاغية، وربما أوجد حالة من عدم التقدير للشيخ قد تصل للإنفضاض من حوله، إن هو أصرّ على أن يريهم ما يراه سياسياً. وفي السياق ذاته، أكد خليفة الطريقة التيجانية بمدينة الرهد الخليفة أحمد التيجاني البدوي على أن الإعتبار للكبار ما زال موجوداً، لكن وبسبب الحراك الإجتماعي والسياسي الكبير طوال العقدين الماضيين، فقد تأثر السلوك السياسي والعلاقات في المجتمع، وجاءت أجيال شابة في حلٍ من الإلتزام بالكثير من الولاءات السياسية السابقة التي يبدو أنها أقتصرت على كبار السن ، خاصة بعد أن تساوت في عدم الصدق وعدم الإلتزام بالشعارات كل الأحزاب القديمة على حد قوله. ورغم وجود أعداد كبيرة من الطلاب في خلاويه، قال الشيخ أحمد التيجاني إنه لا يستطيع أن يطلب منهم أن يكونوا في الطريقة التيجانية، ناهيك عن مطالبتهم بدعم أي من المرشحين، وذلك حتى لا يفروا منه أو يشككوا في ما يقدم لهم من عمل خيّر. ولم يذهب خليفة الطريقة السمانية بشبشة الخليفة السماني الشيخ سعد الدين، بعيداً عما ذهب إليه سابقوه، من تراجع لدور شيوخ الطرق الصوفية سياسياً، والإكتفاء بحثّ مريديهم شعائرياً وتوجيههم نحو التعبد والذكر مع إتاحة الفرصة لهم ومنحهم الحرية في الخيار والرأي السياسي بسبب ازدياد الوعي في الفترة الماضية. وقال الخليفة السماني إن الكثيرين من الناس إختزلوا علاقاتهم مع شيوخ الطرق الصوفية في «البخرة والمحاية»، بعد أن بات لهم الفهم الكافي للتفريق بين إنتمائهم الطائفي وإنتمائهم السياسي، مشيراً إلى أن قبيلة كالحسانية مثلا في تلك المناطق أغلبهم حزب أمة يعنيهم الصادق المهدي كزعيم سياسي ولا يعنيهم بحالٍ كإمام للأنصار، وزاد: بعض الناس يرون ضرورة ألا يتدخل الشيخ في السياسة، ومثل هؤلاء لا يريدون للشيوخ دوراً سياسياً فضلاً عن أن يقوم بالتأثير عليهم كي ينتخبوا أي سياسي كان. وما ذهب إليه هؤلاء الشيوخ، لا يختلف حوله الكثيرون من شيوخ آخرين جاءت إفاداتهم في ذات السياق، وإن أبدى البعض تفاؤلاً بإمكانية أن تلعب الطرق الصوفية دوراً ما للتأثير على أتباعها في بعض مناطق الهامش للمشاركة في إنتخاب أحد السياسيين، إلا أن هذا التأثير هو أقل كثيراً مما كان في السابق. وثمة ملاحظة نقلتها إلى الشيخ السماني، مفادها أن ما يراه الناس من قدرات رجال الطرق الصوفية على الحشد والإستمالة أحياناً، كما في إستقبالات بعض المسئولين الحزبيين والحكوميين، تؤهلهم فيما يبدو لأن يطلبوا منهم أكثر من ذلك، كأن يوجهوا بالتصويت لهم مثلاً، فجاء رده شفيفاً رغم إنتمائه للمؤتمر الوطني، عندما قال إن الحشود التي ترونها عند زيارات المسئولين وقيادات الأحزاب خاصة المؤتمر الوطني، يتم حشدها بطرق عديدة لا تصلح قياساً لشعبية تلك القيادات الزائرة وولائهم لها، بل لا تصلح حتى لقياس شعبية شيوخ الطرق الصوفية أنفسهم لأنهم يجمعون المستقبلين بالهتيفة لمن يجدي معه الهتاف، والنوبة لمن يهوي الذكر، وبالإيحاء بالولائم لمن هو بحاجة إلى ذلك، ليصبح حجم المؤيدين الحقيقى لا يزيد عن ال «50%» ممن يتدافعون في ميدان الإستقبال ليؤدوا على الأرجح بيعة الولاء والنصرة. وإلى حين أن تثبت الإنتخابات المقبلة، أو تنفي تأثير (مفتاح) الطرق الصوفية على الناخبين، يبدو ان القوى السياسية بلا إستثناء، تعمل على إستثمار هذا المفتاح، إن لم يكن قد أصبح ليس في حجم باب الإنتخابات. ويشارك الأحزاب الشمالية في تلويحهم بهذا المفتاح، الحركة الشعبية التي درجت مؤخراً على القيام بمغازلة سياسية صريحة وزيارات للشيخ أزرق طيبة وشيوخ آخرين كالشيخ الجيلي المهدي والشيخ الكباشي الذي أعلن إنضمامه إلى الحركة الشعبية، في وقت عد فيه المراقبون إنفتاح الحركة الشعبية الخجول على الطرق الصوفية جزءاً من إنفتاحها نحو الشمال ومد جسور الوصل مع تكويناته المجتمعية المختلفة بعيداً عن أحلام كسب الاصوات. وعلى إختلاف مناطقهم الجغرافية، إتفق الشيوخ الثلاثة، بيتاي والتيجاني والسماني، على أهمية مفتاح المال والخدمات، في التأثير على وجهة الناخبين في الإنتخابات القادمة. وقال الخليفة أحمد التيجاني، إن حزب الأمة بعد ظهور حركات دارفور، والحزب الإتحادي بعد غياب الميرغني ساهما في إيجاد مفتاح جديد للإنتخابات المقبلة، هو مفتاح الإثنيات والجهويات الذي لا يقل أهمية عن مفتاح التنمية الذي سيحمل الكثيرين على تأييد المؤتمر الوطني ليس إقتناعاً بطرحه بقدرما هو طمعاً في ذهب المؤتمر ومن ثم صرفه في تنمية مناطق الناخبين. وأمّن الشيخ بيتاي والشيخ السماني تماماً على ما ذهب إليه الشيخ أحمد التيجاني من مفاتيح، ولكنهما عادا ليؤكدا على أهمية مفتاح البرنامج والتوجه العام للحزب وإن لم يكن هذا الأخير بذات الفعالية، مفضلين أن تكون هناك مواءمة بين الطرح والخدمات ولكن.... نواصل!!!