الذي يتابع أحوال مشروع الجزيرة «العظيم» من خلال الأجهزة الإعلامية الرسمية سوف يعتقد أن هذا المشروع لم يعد الأكبر مساحة في العالم ،إنما الأكثر إنتاجاً والأكثر ربحية في العالم وأن أي مزارع في هذا المشروع لا يقل - رفاهية عن المزارع في ولاية كلفورنيا الأمريكية، الفلوس على قفا من يشيل، والمخازن ممتلئة بالحبوب، والأبقار الفريزين الى جوار الفيلا، والمنتجات البستانية من فواكه وغيرها يلعب بها الأطفال في الشوارع. نعم يا جماعة الخير يمكنك هذه الأيام أن تأتي بصورة تلفزيونية تخلب الألباب من الجزيرة حيث سنابل القمح تتراقص ولوزة القطن مفحتة وأكوام الفول منشورة والكباري التي شيدها الانجليز تتحكم في الماء وتأتي بالمديرين الزراعيين وأعضاء الاتحاد يتحدثون أمام الكاميرا في حلة زاهية، والمدير داخل الاستديو لتوجيه الحوار. فيلقي في روعك أن الأحوال في الجزيرة ليست عال العال فقط بل من أبدع ما يكون وبالتالي لا داعي للسؤال عن ماذا وراء هذه المظاهر «الخلابة» من بؤس وفقر وتدني إنتاجية وأسعار مضروبة وضرائب جزافية وملاريا وبلهارسيا تنخر في الإمعاء. في تقديري أن السيد الشريف عمربدر قد أنقذ تلك الحلقة التلفزيونية عندما جاء في آخرها وطرح قضايا في غاية الأهمية عندما قال دعونا نتساءل هل الحواشة قدمت للمزارع وأسرته متطلبات الحد الأدنى من المعيشة؟؟ فإن لم تفعل لماذا؟ وأين الخلل؟ ثم أشار سيادته الى الدعم السخي من الدولة لهذا المشروع الذي يتحول بدوره الى ديون على المشروع، ومن أن يأتي رمز سيادي زائراً للجزيرة إلا وكانت المطالبة بإعفاء الديون، أسئلة الشريف وهو رئيس مجلس الإدارة أسئلة جوهرية وتلخص معاناة مشروع الجزيرة الحقيقية وكان هذا ينبغي أن يكون موضوع الحلقة وليس التلاعب بالكاميرا، لقد حاول الأستاذ خالد لقمان تقديم أسئلة تعكس الوجه الآخر للمشروع ولكنها كانت فرعية وفي نفس الوقت كانت الكاميرا في وادٍ آخر، نعم يمكن للتلفزيون أن يقوم بدور حيوي ويقود التغيير للأحسن في الجزيرة وفي غيرها ولكن المطلوب أن يعرف معدو الحلقات من أين يبدأوا وماهي المشكلة وما هي الجهات الملمة بها وبعد ذلك يفتح تلفوناته للجمهور. جاء في صحيفة (الوطن) الغراء الصادرة في 4 فبراير 8002م، أن العطش يهدد آلاف الأفدنة المزروعة قمحاً بمشروع الجزيرة، وكان التصريح على لسان أعضاء من اتحاد المزارعين وفي ذات الحلقة المشار إليها أعلاه قال مندوب قسم المكاشفي وهو عضو اتحاد إن هناك مشاكلاً حقيقية تواجه عمل روابط المياه وأن التُرع لم تتم صيانتها قبل تسليمها للروابط وقبل أيام معدودة جاءت إدارة المشروع مصطحبة رجال الشرطة متعقبة المزارعين من أجل دفع الضريبة لمحصول الذرة ماذا تريدون أكثر من هذا دليلاً على الحال المائل؟؟ أسعار القطن التي بُشِّر بها المزارعون لم تتحسن عن العام الماضي ولا بتعريفة واحدة علماً بأن الشركة تشتري الأقطان زهرة ،أي - شعرة وبذرة - وهذه الأيام أسعار الزيت في ارتفاع غير عادي، فقد تتحصل الشركة على ما دفعته للمزارعين من البذرة فقط وبعد ذلك تنعم بالشعرة «حكمة والله وحكاية». السيد المدير لم ينس الصحافة التي وصفها بأنها تقلب الحقائق وتصوِّر مشروع الجزيرة صورة سالبة ولنقل لسيادته مع وافر التقدير: «الصحافة تطير في السما» وليسأل مزارعيه إن كانوا راضين عن الحالة في المشروع. ليت سيادته قال ما قاله السيد رئيس مجلس الإدارة من أن التغيير لن يحدث بين يوم وليلة ونضيف من عندنا أن التغيير لن يحدثه فرد ولن يحدثه رأي واحد وأن التغيير يبدأ بالاعتراف بسوء الحال الراهن