وورى الثرى عصر أمس الجمعة الإذاعي الرائد ذو النون بشرى شريف وسط حضور مُهيب من زملاء المهنة بالإذاعة السودانية يتقدّمهم بروفيسور علي شمو والأستاذ معتصم فضل عبد القادر مدير الإذاعة، ومعتمد محلية كرري كمال الدين محمد عبد الله، وقد ارتسمت ملامح الحزن على الوجوه التي عرفته إذاعياً مبدعاً، وأحد أهم بناة البرمجة الإذاعية الحديثة لا سيما في مجال المنوعات والبرامج الثقافية. التحق ذو النون بشرى المولود أوائل الأربعينات بخدمة «هنا أم درمان» أوائل الستينات من القرن الماضي، وقد جاء ذو النون بشرى الى الاذاعة من مدارس الأحفاد الثانوية تسبقه شهرته في سماء الأدب «القصة القصيرة والشعر»، وجايل من الاذاعيين الذين تسلموا الراية من الروّاد «السر محمد عوض، أحمد سليمان ضو البيت، عبد الرحمن أحمد، علي شوقي، البصيري، سمير أبو سمرة، علم الدين حامد، قرشي الطاهر ومحمد عبد الكريم»، وقد تَمَيّزت هذه الأسماء الإذاعية كل في مجال تخصصه.. بدأ ذو النون حياته العملية في راديو أم درمان مذيعاً وقارئاً لنشرات الأخبار، وعمل في عدد من أقسام الاذاعة كقسم التنسيق والبرامج، وقد انتبه الى موهبته المتميزة في مجال المنوعات فترك الأخبار والشؤون السياسية وعكف على برامج المنوعات يقدم من خلالها فكره الاذاعي مستفيداً من علاقاته الواسعة والممتدة مع أهل الفن لا سيما الغناء والموسيقى، وقد وثّق عبر مشواره الاذاعي لسير حياة العديد من الروّاد كأحمد المصطفى وحسن عطية وإبراهيم عوض، كما عُرف أيضاً بتخطيطه وتأسيسه لبرمجة المنوعات في الإذاعة السودانية وأعطاها نكهة سودانية مميزة، وقد أسْهم في سودنة أنماط وأفكار المنوعات وكانت قد بدأت متأثرة في بدايات هنا أم درمان بالتجربة المصرية واعاد الاحتفاء بصناع الابداع الوطني. من البرامج التي اشتهرت وسكب فيها عصارة خبرته الاذاعية «رواد أغنية أم درمان» وهو إسهام كبير في تحليل مسارات الفنون الوطنية منذ ظهور المدرسة الوترية الاولى، وشارك معه في هذه البرمجة الموسيقار الراحل أميقو والدكتور محمد سليمان ترنين وتم تقريباً استعراض أبرز العلامات المضيئة في تراث الأغنية السودانية. يوثق التاريخ لذو النون بشرى شريف استضافته للفنان محمد وردي والشاعر محجوب شريف عقب أحداث يوليو 1971م التي قادها هاشم العطا، وقد قادته هذه التجربة الى السجن والتشرد لأكثر عام من قبل سلطة النظام المايوي ثم ما لبث أن عاد إلى الإذاعة التي عشقها ونذر لها تجربته وعمره وظل يواصل العطاء حتى آخر برامجه «نادي الشعراء»، ثم تعاون مع الإذاعة الوليدة «ذاكرة الأمة»، التي نقلت مراسم التشييع عبر برمجة خاصة استعرضت بعض آثاره في مكتبة الاذاعة السودانية.. أسرة «الرأي العام» تتقدم بالعزاء لأسرته وزملائه من الإعلاميين.. رحمه الله رحمةً واسعة..