لم تَكن الزيارة لتغري أياً من المهتمين بالشأن السياسي بالمرافقة، لولا ما توقعه البعض أن تصدر من السيد محمد عثمان الميرغني رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي «الأصل»، مرشد الطريقة الختمية مفاجآت خاصة بعد الشد والجذب الذي مزق أوصال أمل مشاركة حزبه في الحكومة. فقد كانت زيارة الميرغني الى سنكات الأسبوع الماضي، التي استغرقت خمسة أيام مخصصة للإحتفال بالذكرى السنوية للشريفة مريم الميرغنية، حيث الطابع الصوفي هو الغالب على الزيارة معنىً ومبنى، إلا أن هنالك إشارات سياسية تخللت تلك الزيارة التي قال عنها الميرغني «أخرجت جحافل الختمية من المالح بعد أن ابتلعهم إبان الانتخابات». وكان الميرغني بين الحين والآخر يقول موجهاً حديثه للإعلاميين بلهجة تساؤليه «هل رأيتم الجماهير بأعينكم؟ هل سمعتم أصواتها». تلك الأصوات التي كانت تنادي بحياة «أبو هاشم» وتتبرك بغبار عربته وتلتمس البركة حتى من بطانته، هكذا كان حَال جماهير سنكاتوسواكن الذين كانت تشتعل حماستهم فقط حينما يمر على لسان أي خطيب اسم الميرغني ليرددو بعده «هاش هاشوك» أي «البلد بلدك»، وتشرأب أعناقها وتفغر فاهاً حينما يتحدث الميرغني الذي. يبدو أنه حقق أحد الأهداف المهمة بهذه الزيارة وهي التعريف بأن جماهيره ما زالت على ولائها السابق، فقد شهدت حولية السيدة مريم الميرغنية جماهير ما كان لساحة ضريح الشريفة بسنكات أن تستوعبها، لو لا نظام الأفواج الذي اتبعه مراسم الميرغني، فقد كان يأتي الفوج ليخرج إليه الميرغني ويخاطبه من منصة عالية ويحييه ويجدد البيعة، ليخلي الفوج الساحة لآخر جديد الوجود المكثف لجماهير الختمية أثرى الحركة التجارية بسنكات التي كان أعتى تجارها لا يحتكم «بنكه» على أكثر من «20» جنيهاً. وفي سواكن أو «اوو سوق» اسمها الأصلي باللهجة البجاوية، كان لقاءً حاشداً أمام ساحة منزل الشريفة مريم الميرغنية الذي كانت تقطنه شتاءً بعد أن تقضي فصل الصيف بسنكات التي تتمتع بمناخ أشبه باللطيف نسبة لإرتفاعها، في ذلك اللقاء لقاء سنكات برزت قضية العداء التقليدي بين الطرق الصوفية وجماعة أنصار السنة المحمدية، ويبدو أن أنصار الميرغني أبلغوه بأن أنصار السنة أصبحوا يناوشونهم بصورة راتبة ويحرضون الناس على نبذ الطائفية، فكان حديث الميرغني كله بإشارات لا يفهمها سوى الختمية أنفسهم، «لا تستمعوا لكل مشاء بنميم عتل بعد ذلك زنيم»، «لا تسمحوا للمكابرين والمندسين أن يتسللوا بين صفوفكم»، وبذكائه الصوفي إمتدح الميرغني العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز لفتحه المسجد النبوي الشريف للزيارة، بعد أن كان لا يتم فتحه إلا للصلوات الخمس فقط. ووفقا للمرافقين لم يكن امتداح العاهل السعودي في هذه المنطقة التي ينشط فيها انصار السنة اعتباطاً. وبالرغم من الزخم الديني الذي صاحب الزيارة إلا أن البعثة الإعلامية التي رافقت الميرغني كانت تتسقط أية عبارة سياسية من فم الميرغني، الى الدرجة التي اشتبهت عليهم بعض العبارات التي قال فيها «هذه الزيارة للتصوير وليس للتصريح»، وتابع: «نريدكم أن تكتبوا عن الحولية» فرد أحد الصحفيين: «نعم يا مولانا حدثنا عن الحرية» وجاء الرد من الميرغني بلهجة حاسمة «الحولية وليس الحرية». وهكذا كانت معاناة الوفد الإعلامي حتى اليوم الأخير الذي أشبع فيه النهم السياسي للصحفيين ولم يترك شاردة ولا واردة إلا ورد عليها بصدر رحب. الميرغني قلل من الحديث عن المشاركة في الحكومة..هكذا كان رده على ما قاله الدكتور كمال عبيد في برنامج «مؤتمر إذاعي» الذي بثته الإذاعة السودانية الجمعة الماضية، الذي أكد فيه أن الحزب الاتحادي بعث بمذكرة يطلب فيها المشاركة. وبالرغم من أن عبيد عزز حديثه أمس بوثيقة عبارة عن نسخة ممهورة بتوقيع الأستاذ بابكر عبد الرحمن رئيس اللجنة المكلفة بالتفاوض مع المؤتمر الوطني بشأن المشاركة، إلا أن الميرغني كان يشير الى أن الاهتمام بالمشاركة في الحكم ليست أولوية بالنسبة للقضايا الى لخصها في «مطب» تقرير المصير وأزمة دارفور وادعاءات المحكمة الجنائية التي قال إنها لن تقود الى استقرار السودان، إلا أنه أشار الى مذكرة دفع بها للأستاذ علي عثمان محمد طه يطلب فيها المشاركة باسم التجمع وفق إتفاق القاهرة، ولم يقطع الميرغني عشم المشاركة من جانب حزبه بعد أن قال: لكننا تركنا البت في أمر المشاركة للهيئة القيادية لحزبنا. وعلى أيّ حال فإن مهتمين بالشأن الاتحادي يقولون «إن للميرغني القول الفصل في أية قضية من قضايا الحزب الاتحادي»، ولعل هذا ما جعل د. علي السيد القيادي بالحزب يستشيط غضباً في تصريحات صحفية أمس قال فيها «إن الميرغني يحاور المؤتمر الوطني وحده».