-1- باقان أموم يرتدي بدلة أنيقة ثمنها أكثر من ألف جنيه إسترليني ليقابل بها سفراء الدول العظمى لينتزع منهم اعترافاً لدولة جنوب السودان الجديد فيكون قد حقق من شعار الراحل د. جون قرنق إضافة جديدة للدولة الناشئة دون مفهوم « السودان الجديد « الأيدلوجي حيث هزمت فكرة « قرنق « بفصل السودان المارد الإفريقي العظيم ... لكن يبدو أن أولاد « قرنق « لم يصبروا على العمل السياسي مثلما صبر قائدهم الراحل على العمل العسكري أكثر من عقدين كاملين او تزيد قليلا ً ... ولمّا نفذ قرنق مع حكومة السودان اتفاق نيفاشا الذي به تم تجاوز كل الظلامات التاريخية على مستوى تقاسم السلطة والثروة وخلا لهم وجه الجنوب كاملاً ... ونصيب وافر من السودان كله ليس انتقاصاً من احد ... ولكنها حقيقة لا بد ان تذكر كل حين حتى يدرك أهل الجنوب ان الإسلاميين قد أوفوا بالعهد والميثاق ... وما زالوا يعملون لأجل وحدة جاذبة رغم كل الشواهد البارزة التي توضح ان بعض قادة الحركة الشعبية يعملون ليل نهار لأجل الانفصال ... تارة بزعم أنهم يودون ان يصبح أهل الجنوب مواطنين من الدرجة الأولى « الممتازة « . وتارة أخرى أن المؤتمر الوطني لم يفعل شيئاً لاجل ان تكون الوحدة جاذبة .... حيث لم تبح الحركة بأسباب تلك الجاذبية ... المراقبون يرون انه لو وضعت الشمس عن يمينهم والقمر عن يسارهم لتقاصر المؤتمر الوطني وأهل الشمال قاطبة عن تحقيق تلك الجاذبية !!!!! - 2 - لم أسمع هذه الأيام كثيراً او قليلاً عن صديقي ياسر عرمان رئيس قطاع الشمال في الحركة الشعبية الواضح مع هذا التدافع واللهث وراء الانفصال من بعض قيادة الحركة الشعبية ... ضاع قطاع الشمال ... وذهب ياسر عرمان رئيسه الى إجازة طويلة !!!! أذكر في الثمانينيات من القرن الماضي ... ونحن طلاب بالجامعة كان الفكر الجمهوري بقيادة محمود محمد طه ساطعاً بالجامعات على مستوى المحاضرات والندوات وأركان النقاش دون الاعتناق به من قبيلة الطلاب والطالبات حيث كان أنصار هذا الفكر ثلة قليلة ومحدودة للغاية ... وكان الاتجاه الإسلامي في ذلك الوقت يبصر الطلاب بخطر هذا الفكر حيث كان المرحوم الصحافي محمد طه محمد أحمد يقيم أركانه يكافح هذا الفكر كفاحاً عظيماً لمناهضة الفكر الجمهوري مصراً على توضيح الصورة للطلاب سنيناً حتى قضى الله على فكر الرجل وانفض سامر القوم حيث هاجر الدالى إلى الولاياتالمتحدة وظهر قريباً ناشطاً سياسياً يدلو بدلوه في السياسة السودانية ... و لا أعرف ما مصير متوكل أحد انشط كوادر الجمهوريين في الجامعات في ذلك الوقت !!! ويبدو أن ما حدث للجمهوريين سيحدث لكوادر قطاع الشمال بالحركة الشعبية خاصة صديقي ياسر عرمان الذي آمن تماما بالثورة التي قادها جون قرنق لتغيير الواقع السوداني ينتهي به التهميش وسلطة النصف الشمالي وبسط العدل والمساواة لكل السودان الذي يعاني منذ استقلاله على خلل واضح في هذا الميزان !!! - 3 - السؤال الكبير ... هل رتب الانفصاليون الجدد أوضاع قطاع الشمال في الحركة الشعبية أم تركوا للفراغ والعدم ؟!!! هذا السؤال مشروع من قبل السودانيين للقطاع الذي يبسط لهم أماني رفع التهميش والمساواة والعدل . أذكر أن خروج ياسر عرمان الأول من الخرطوم في عام 1986م ليس هروباً من جريمة « اغتيال « سياسي اتهم بها آنذاك لكن من الإحباط الذي كان عليه « الثوري « الاشتراكي من الحزب الشيوعي السوداني الذي هادن النظام المايوي فكان ساخطاً على طريقة الحزب ولكنه كان أصغر من أن يسمع صوته للقيادة « المختفية « مع أنه كادر طلابي لا يشق له غبار ... هكذا خرج « ياسر عرمان « مغاضباً ليرتمي في أحضان الحركة الشعبية المتشحة آنذاك باللون الأحمر الفاقع ... ومضى معها سنوات طويلة ألقت به في أيادي الامبريالية العالمية بلغة اليسار القديمة .... ويتوج نضاله مع الحركة الشعبية تتويجاً رائعاً بدخوله مطار الخرطوم رافعاً أصبعيه بعلامة النصر.. ولكن رحل قائدهم « جون قرنق « سريعاً .... ولمّا لم يكمل مشروعه في تغيير وجه السودان أكبر دول القارة و الذي يمثل الامتداد العربي و الإسلامي جنوب الصحراء ... ليأتي تلاميذ « قرنق « ليقدموا مشروعه الوحدوي العلماني لحكم السودان ويكتفوا بانفصال جنوب السودان الدولة ضعيفة المقدرات البشرية التي تؤهل لصعود دولة تواجه مشكلات جسيمة. وبهذا يسقط ياسر عرمان مرة أخرى، فحملة الأمل والتغيير أفضت إلى الاحتراق ... وانكفأت القيادة الجديدة على الجنوب تماما ولم يرشح شمالي واحد في حكومة جنوب السودان ولو من باب العرفان للذين أسهموا في النضال سنوات عديدة . هذه الأيام لم نسمع صوت الأستاذ ياسر عرمان ... و لا اعتقد ان « ياسر « او قطاع الشمال يعتقدان أن هذا المقال « إسفين « بين الحركة الشعبية وقطاعها الشمالي ... لكن هذه حقائق يدعمها الواقع فالحركة الشعبية مشغولة بترتيب أوضاع الانفصال، وممثلوها كلهم من أصل جنوبي والقطاع الشمالي يعاني اليتم الحارق ... وفي تقديري أن ياسر يفكر في هجرة أخرى لبلاد العم السام يلعق فيها جراحه ويتأمل مشواره النضالي والثوري الطويل منذ ان كان طالباً بالجامعة الى صعوده التاريخي مرشحاً لرئاسة جمهورية السودان الواحد والى سقوطه الكبير حين منع من استئناف حملته إلى صمته الآن عن الكلام المباح، فمتى يخرج الى هجرته الجديدة في ظل أوضاع متردية داخل حركة قضى أكثر من ربع قرن من الزمان داخلها ويا له من زمان بعيد ... ولم يتبق في العمر وقت للبدايات !!!!