الدموع المنهمرة من عيونها صارت احدى آليات التعبير عند القيادية في الحركة الشعبية بقطاع الشمال اخلاص قرنق خصوصا عندما يأتي الحديث عن الوحدة والتي صارت جزءا من تاريخ الحركة الشعبية والتي اعلنت في نهاية المطاف انحيازها وبشكل تام لخيار الانفصال في استفتاء تقرير المصير، مما يجعل للدموع اكثر من مسوغ الاول هو البكاء على الوحدة والثاني هو البكاء على مستقبل الحركة الشعبية في الشمال وبالتالي صعود التساؤل الموضوعي حول مستقبل المشروع المطروح من قبل قائد الحركة الراحل الدكتور جون قرنق خصوصا وان الكثير من المراقبين يرى ان المشروع قبر مع صاحبه وممعها بالطبع فكرة السودان الديمقراطي العلماني بامتداد المليون ميل مربع وفي ظل المناقشات الدائرة ما بين شريكي الحكم حول قضايا ما بعد الاستفتاء وهي قضايا ما بعد الانفصال بحسب مسار الاحداث الدائرة الان في الساحة السودانية والتي تؤكد بأن الجنوب في طريقه للانفصال عن الشمال وتنامي الاقوال بأن بعد الانفصال سيكون الجنوبي جنوبيا والشمالي شماليا، هذا غير ان فكرة قبول تنظيم تابع لدولة اخري هي عملية غير مأمونة الجوانب وهو الامر المنطبق على قطاع الوطني بالجنوب وقطاع الحركة بالشمال بالرغم من التصريحات التي اطلها قادة الحركة الشعبية بأنهم باقون في الشمال غصبا عن رؤية اهل المؤتمر الوطني الا انها تصريحات تصب وبشكل اساسي في اطار المعارك الاعلامية الدائرة بين الجانبين منذ توقيع الاتفاقية في العام 2005 وهي الحالة التي لايمكن فصلها عن حالة الصراع الدائرة داخل قطاع الشمال للحركة الشعبية فالقطاع الذي يضم في داخله ثلاث عشرة ولاية شمالية ما عدا ولاية النيل الازرق وجنوب كردفان وابيي شهد في داخله مجموعة من النزاعات والاتهامات المتبادلة بين عضويته واتهامات بغياب الشفافية وسيطرة بعض المجموعات عليه في مقابل تهميش اخرين، وهي عبارة تم استخدامها حتى من قبل بعض منسوبي الحركة الشعبية ومفكريها مثل الواثق كمير والذي وصف قطاع الشمال بالمهمش من قبل الحركة الشعبية في كثير من تناوله لهذا الامر، الا ان اخر حلقات التهميش بدت واضحة في اتجاه الحركة الشعبية واختيارها للانفصال كخيار تبنته وهو ما قاد لمجموعة من الاحتجاجات داخل عضوية الحركة الشعبية في الشمال والذين اعتبروا الخطوة تراجعا اساسيا عن المشروع الكبير للحركة من خلال تصريحهم للصحف ووسائل الاعلام حيث قال القيادي بالحركة الشعبية الدكتور محمد يوسف ان الدعوة للانفصال جاءت بعد رحيل جون قرنق الذي واجه كل هذه التيارات المناوئة للدعوة في الشمال وفي الجنوب، ونحت فكرته ورؤيته وبشّر بها وناضل من أجلها بالجدل والعمل السياسي والعسكري وبأية طريقة حاول أن يثبت أن هذه الرؤية هي الأجدى للسودان، وهو مركز ثقل لهذه الرؤية، وطبيعي جداً أنه عندما رحل أن تفقد الرؤية محركاً أساسياً من محركاتها وهذا شيء طبيعي. وأكون مكابراً إذا قلت إن الرؤية لم تتأثر بغياب جون قرنق، بل تأثرت تأثراً بالغاً لأنه مات ولازال هنالك صراع، وخصوصاً في جنوب السودان، صراع حول جدوى رؤية السودان الجديد في جنوب السودان بما في ذلك الصراع داخل هياكل الحركة الشعبية التي تعتبر انعكاساً لمجتمعها لذلك عندما مات دكتور جون قرنق الذي كان هو (الماكينة) الأساسية الأكثر قدرةً والأكثر حماساً للدفاع عن هذه الرؤية كانت الهجمة على رؤية السودان الجديد من مختلف الجهات وبالتالي هذا شيء طبيعي أن يحدث ضعف فيها وهذا الذي حدث. دون ان يعني ذلك فكرة التراجع عن الدعوة للمشروع ولغة التشاؤم التي بدت واضحة في خطاب محمد يوسف ظهرت عند اخرين مثل وليد حامد الذي قال انه محبط للغاية من الذي يحدث وليس بعيدا عن الامر خروج صحف امس بخبر مفاده مغادرة الدكتور منصور خالد لصفوف الحركة الشعبية وهو ما يجعل الكثيرين يتساءلون عن مستقبل الحركة الشعبية في الشمال في اعقاب الانفصال وهل ستواصل العمل السياسي ام ان الانفصال سيضع اخر مسمار في نعشها ؟ وهو الامر الذي يجيب عليه نائب الامين للحركة الشعبية والامين العام لقطاع الشمال ومرشح رئاسة الجمهورية السابق ياسر عرمان من خلال حوار اجرته معه الصحافة امس وينشر لاحقا حيث اكد فيه استمرار النضال من اجل انجاز مشروع السودان الجديد بالشمال حتى في حال الانفصال، وذلك بعد اجراء مجموعة من الترتيبات تتعلق بطبيعة العلاقة بين منسوبي الحركة في الشمال والجنوب وهي تمضي الان على خطي حثيثة من اجل انجازها. واضاف ان الحركة ستعمل في الشمال وفقا لمنفستو السودان الجديد المطروح في العام 1983 وهو ما يعني ان رؤية السودان الجديد لم تمت بعد حسب وجهة نظر عرمان وتمتلك القدرة علي المضي قدما في السودان من اجل اعلاء قيم المساواة والمواطنة الحقة علي اساس التعدد العرقي والاثني في السودان الشمالي وربما تحمل في داخلها مجموعة من المكونات الاخرى المؤمنة بفكرة السودان الجديد من القوى الشمالية والتي تجمعها بالحركة ايام النضال المشترك في القرن الماضي، الا ان الرؤية والدعوة الجديدة لن تجدا الطريق مفروشا بالورود والرياحين في اشارات اخرى تقول ان معظم قادة قطاع الشمال بدأوا يحزمون حقائب الرحيل والهجرة الى خارج البلاد، وان الاجهزة الامنية تعمل الان من اجل توفير الحماية لهم بعد الاستفتاء خوفا من ان تكون نتيجة الانفصال مدخلا لنزاع بينهم وبين المومنين بالوحدة وتحميلهم وزر الانفصال والفشل في ادارة العلاقة بين الشمال والجنوب في الفترة الانتقالية، وهو الاتجاه الذي تغذيه بعض الدوائر في الخرطوم التي تصارع الحركة الشعبية، وكانت معاركها بشكل اساسي امام قطاع الشمال ومنسوبيه طوال ايام الفترة الانتقالية مما يجعل مدى قبول الاطروحات بعد الاستفتاء تفقد الكثير من جاذبيتها التي دفعت بالشماليين لاستقبال الدكتور جون قرنق ومن ثم الالتحاق بصفوف الحركة الشعبية. وفي هذا الجانب يقول»للصحافة « الدكتور محمد حمدنا الله عبد الحافظ استاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين معلقا على مستقبل الحركة بالشمال من خلال تحليله لاطروحة السودان الجديد والتي قال انها بدأت تفقد الكثير من بريقها بعد رحيل دكتور جون وانكفاء الاخرين جنوبا من الذين خلفوه والسعي من اجل فصل الجنوب. ويضيف اذا كانت الفكرة تقوم اساسا على الوحدة في اطار التعدد فذهاب الجنوب يعني ان المشروع قد فشل وبالتالي فإن اية دعوة لقيام كيان مشابه ستكون امرا لا طائل منه، واضاف ان الحركة اضاعت مشروعها بنفسها وقال ان الامر نفسه لن يخرج من مجموع الاشكاليات التي تعاني منها معظم القوى السياسية في السودان منذ الاستقلال، ووجدت الحركة نفسها في الدائرة التي لم تستطع الخروج منها حتى الان من خلال تبني مشروع تنظيمي ومؤسسي فاعل لادارة الكيان. وعلى عكس رؤية حمدنا الله، فإن الكثيرين يرون ان حاجة البلاد لمشروع جديد قائم على اساس التعايش والمساواة في اطار التعدد امر بالغ الاهمية ، خصوصا في ظل زيادة التهميش وارتفاع مستوى الوعي خصوصا في مناطق ترى ان ثمة تشابه بينها وبين الجنوب مثل النيل الازرق وجنوب كردفان والتي يمكن ان تخطو نفس الخطى التي عبر من خلالها الجنوب وعلى استعداد للانتماء لاية منظومة تأخذ بيدهم . الانفصال الذي بات على بعد خطوات والتململ الذي بدت نذره تلوح في الاطراف والهامش هي مقومات لمشروع سياسي جديد بشر به قطاع الشمال التابع للحركة الشعبية في رؤيته المتجددة، ولكنه مشروع سيجد نفسه مكبلا بالقيود القديمة الى حين اشعار اخر .. نقلا عن صحيفة الصحافة السودانية 16/12/2010م