دائماً لا أحبذ تناول موضوع أو قضية في عمود صحفي يضطرني لقطع موعد مع القارئ للقاء آخر لتكملة فكرة ما أو لإضافة معلومات أو آراء جديدة. كنت قد كتبت قبل يومين عن قصة فقدان جواز سفري بالدوحة، وضياع الوثيقة الإضطرارية بالطائرة، وما تبع ذلك من دراما وحرج وسخرية لاذعة من الاصدقاء والاسرة. ووعدت القراء بالحديث عن أزمة الجواز الالكتروني الجديد الذي ظل لسنوات قبل صدوره موضع تباهي وزارة الداخلية في إدارتها المتغيرة! بعد أن أرسل لي الصديق فوزي بشرى جوازي الذي أخذه سهواً كما يفعل مع مفاتيح أصدقائه الذين يروون عنه قصصاً وحكاوي في (النسيان) غير قابلة للتصديق، كحال كثير من المبدعين، اذ أن كتابة التقارير الرائعة مثل تقرير تنصيب أوباما التي تعتبر بشهادة الجميع الأميز في كل القنوات العربية، لاتترك في ذاكرة فوزي مساحة للأشياء الصغيرة!! حمدت الله على عودة الجواز، وبدأت في إجراءات رفع الحظر الذي صدر بالدوحة وأرسل الى الخرطوم. اقترح علي البعض أن ألغي جوازي القديم المحظور أصلاً، وأن استخرج الجواز الاليكتروني الجديد. وبالفعل قمت بذلك ووضعت الجواز القديم في إرشيف الذكريات. قبل أيام وأنا أستعد للسفر لأمريكا اطلعت على خبر بالصحف يفيد بأن السفارة إلامريكية ترفض التعامل مع الجواز الاليكتروني الجديد لملاحظات فنية عليه. وتردد على نطاق واسع كذلك، أن بعض الدول عبر سفاراتها بالخرطوم قد قامت بتسجيل اعتراضات عليه!! قمت بالإتصال ببعض الاخوة بالسفارة الامريكيةبالخرطوم، وعلمت منهم أن التحفظ الأساسي هو على كتابة الاسم رباعياً باللغة العربية، وكتابته ثنائياً باللغة الإنجليزية. وقيل إن بعض الدول العربية اعترضت على عدم وجود مهنة صاحب الجواز. وكان الغريب جداً بالنسبة لي التصريح الذي صدر من اللواء أحمد عطا المنان مدير الإدارة العامة للجوازات الذي نفى تسمية ما بالجواز من إشكاليات بالأخطاء، واختار كلمة مخففة جداً وهي أن لبعض الدول الغربية والعربية (ملاحظات!!) على البيانات الواردة في الجواز! وأن وفداً من إدارة الجوازات سيسافر لألمانيا للجلوس مع الجهة المنفذة لمعالجة كل (الملاحظات!!). من المعلوم أن الإدارة الحالية للجوازات ليست مسؤولة عن هذه الأخطاء أو ما اسماها سعادة اللواء (بالملاحظات)، ولكن من الواضح ان هناك جهة بالداخلية في فترة محددة، تعاملت مع هذه الوثيقة المهمة والخطيرة بعدم مبالاة،وهي عادة سودانية كان أوضح تجلياتها في الإنتخابات الأخيرة في قصة بطاقات الإقتراع وما حدث فيها من (أخطاء) أو (ملاحظات) كانت سبباً مباشراً في إعادة الإقتراع في عدد من الدوائر! ويبدو أن الإتكالية وتفويض الصلاحيات مع الإحتفاظ بالإمتيازات على طريقة: (كل شئ تمام يا أفندم) ،هو السلوك الغالب في كثير من أجهزة الدولة. خاصة وان (ملاحظات) تلك الدول قيل إنها وصلت للداخلية السودانية في مرحلة إعداد الجواز. ألم يكن من الممكن أن تكون الاسماء رباعية أو ثلاثية في الكتابة العربية والإنجليزية معاً، إما بتصغير البنط أو زيادة حجم الجواز، مع زيادة ثمنه كذلك إذا كان الإعتبار إعتبار تكلفة؟! ألم يكن من الممكن ألاخذ بتجارب عدد من الدول إذ يختصرون الأسماء. ففي حالة وجود شخص مثل (عمر عبد الغني أحمد الحسين) فهم يستخرجون له جوازاً باسم (عمر عبد الغني الحسين) وتكفي المساحة المخصصة لأنهم يستخدمون لغة واحدة.. وبالنسبة لبعض الدول التي تستخدم لغتين رسميتين أو أكثر، فإن جوازات السفر بلغة واحدة هي الإنجليزية، كما يحدث في الهند وجنوب افريقيا وإريتريا وإثيوبيا. الجواز وثيقة للتعامل مع الآخرين لا للتعامل داخل الحوش الوطني، فتقديرات وملاحظات الآخرين يجب الأخذ بها، لا توجيهات المسؤولين العابرين على المقاعد، والباقين فينا بأخطائهم العظام!!