أخيراً وبعد طول انتظار تمت اجازة قانون الاصلاح المالي للولايات المتحدة الذي دفع به الرئيس أوباما وفريقه الاقتصادي وحزبه الى مجلس النواب والشيوخ وبعد ولادة متعثرة ومعارضة شرسة من اليمينيين المتطرفين تمت الاجازة باغلبية (237) صوتاً مقابل (192) صوتاً في مجلس النواب وبأغلبية (60) صوتاً مقابل (39) صوتاً في مجلس الشيوخ واعتبر تمرير القوانين نصراً اقتصادياً باهراً للرئيس (بارك حسين أوباما) شخصياً ولحزبه الذين صبروا كثيراً على الصراع الذي كان محتدماً قبل الاجازة والذي اسهم كثيراً في تناقص شعبية الرئيس وتدني ثقة مناصريه فيه ولكن انتصر الرجل في النهاية، انتصر في الشق (الاقتصادي) للصراع وبقى له الشق (السياسي) في نوفمبر المقبل. ولما كان الشق (الاقتصادي) في الصراع هو الأهم رأيت ان افسح له هذه المساحة لأعرض الى أوجه الخلاف حول القانون وما هي أسباب التأييد وأسباب المعارضة؟ والى مواقف العالم الخارجي خارج الولاياتالمتحدة من حيث التأييد أو المعارضة ايضاً. الصراع هو بالطبع بين الطرفين الرئيسيين في الولاياتالمتحدة، الطرف الأول الرئيس أوباما وحزبه الديمقراطي مسنودين بقلة من المستقلين والطرف الثاني هو الحزب الجمهوري مسنود باليمين المتطرف سواء داخل الحزب أو خارجه. الطرف الأول هو الذي وضع القوانين ودفع بها للمجلس للإجازة وهو يبرر حاجة الولاياتالمتحدة الماسة بعد الازمة المالية الاخيرة الى قوانين اصلاحية مالية تسهم في منع حدوث أزمة مالية اخرى في الولاياتالمتحدة والعالم أو ما يسميه الامريكيون ب (Double dip) وتسهم ايضاً في وضع حد للفوضى والمضاربات في التجارة الوهمية التي كانت تسود في شارع وول ستريت شارع المال والأعمال في نيويورك. زد الي ذلك ان الادارة الامريكية الحالية كانت حريصة كل الحرص من تبني القانون على حماية المستهلك وحمايته من دفع تكلفة إنهيار البنوك والشركات الكبرى وعلى هذه البنوك والشركات دفع تكلفة انهيارها نتيجة تصرفاتها غير المسؤولة مستقبلاً دون تحميل دافع الضرائب اية خسارة مالية لاذنب له فيها. الطرف الثاني وهو الحزب الجمهوري ومساندوه فهم يرون مايراه الديمقراطيون فهم يرون ان الولاياتالمتحدة رغم الأزمة المالية فهي ليست محتاجة لقوانين رقابة مالية ويجب ترك البنوك والمؤسسات المالية والشركات ليحكمها السوق الحر، فالسوق هو الذي يجب ان يكون الحاكم للتعاملات المالية والتجارة وليس قوانين الرقابة الوضعية التي يصفونها بأنها ستكون المعوق الأول للنمو الاقتصادي الأمريكي لانها تقلل من الابداع الاقتصادي الأمريكي وتحد من منافسته للاقتصادات الأخرى مثل الصين والهند والبرازيل. ويذهب المعارضون لابعد من ذلك، حيث يرون ان الاقتصاد الأمريكي لا يحتاج لقوانين اصلاح مالي بقدر ما يحتاج الى إعادة هيكلة اي اصلاح الخلل في الانتاج والصادرات والواردات التي سببت خللاً في الميزان التجاري قدر ب (9%) لصالح دول اخرى مثل الصين التي تتلاعب بسلاح قيمة العملات والولاياتالمتحدة لا تفعل شيئاً. هذا هو جوهر الخلاف بين الطرفين فالديمقراطيين يسعون الى خلق اقتصاد امريكي قادر على المنافسة وقادر على تمويل التجارة الحقيقية وحامياً للمستهلك، والجمهوريون يرون ان القانون قصد به محاربة المؤسسات الكبيرة جداً والتي يسمونها هم المؤسسات الكبيرة التي لا تنهار (too big to fail) في وول ستريت والتي تتبع لهم في الغالب وتدعم حزبهم في الانتخابات. العالم الخارجي لم يخف تعاطفه مع الديمقراطيين ومع أوباما رغم فقدان الثقة فيه (سياسياً) في العديد من مشكلات العالم، فالدول النامية والناشئة والفقيرة لم تخف تعاطفها وترحيبها بالقانون طالما هو يمنع الفوضى والعبث في أمريكا وطالما يمنع حدوث أزمة مالية اخرى مثل التي حدثت من قبل فقد أضحت هذه الدول لا تثق قط بعد - تجربة بوش - في أية إدارة من إدارات الجمهوريين للاقتصاد الأمريكي والتي ترى فيهم أنهم يسعون لتحقيق مصالحهم الشخصية والحزبية ومصالح شركاتهم ومؤسساتهم دون إعتبار للآخرين. رغم ان الرئيس (أوباما) قد تدنت شعبيته وسط الأمريكيين بنسبة كبيرة وصلت (60%)، وان اغلب الذين انتخبوه قيل إنهم اصبحوا لا يثقون في قراراته إلاّ أن اجازة هذا القانون للاصلاح المالي وجد الترحيب من قطاعات واسعة من الشعب الأمريكي وربما أسفر ذلك عن ارتفاع شعبيته مرة أخرى لأكثر من (50%) وأكثر ما أعجب الشعب الأمريكي هو ما قاله الرئيس: (إنني لن أضع الثعلب في حراسة الدجاج مرة أخرى).