الزراعة فى السودان تعانى من مشاكل كثيرة وقديمة متجددة تطفح الى السطح بداية كل موسم زراعى قبيل اعلان السياسات الزراعية للموسم الزراعي الجديد، والتى تأخر أعلانها هذا العام رغم بداية زراعة المحاصيل الصيفية وانهاء زراعة بعضها خاصة الفول السودانى والذرة، ليتم اعلان هذه السياسات أمس الأول فى مؤتمر بواسطة وزيرالزراعة د.عبدالحليم المتعافى، والذى يبدو انه أراد من اعلان السياسات الزراعية لهذا الموسم فى هذا التوقيت المتأخر بأن يقول: (لئن تأتى متأخراً خيراً من ألا تأتى)، ليأتى بما لم يأت به الاوائل بدعوته الى ايلولة خزان سنارالى ادارة مشروع الجزيرة بدلاً من وزارة الرى، وتأكيده على خروج الدولة من مشروع الجزيرة وانحصار دورها فى الاشراف فقط دون تحمل اية مسؤولية، وتقسيم القطاع الزراعى الى خمسة قطاعات طرح خلاها رؤيته لتطوير تلك القطاعات، وادخال (10) عينات من القطن البرازيلى بمشروع الجزيرة وإلغاء نظام الحواشة والاستعاضة عنه بنظام النمرة ،وادخال السكر فى الدورة الزراعية بعدد من المشروعات الزراعية بالتنسيق مع وزارة الرى لتأمين المياه لزراعة (100) الف فدان بقصب السكر، والاهتمام بالقطاع المطرى التقليدى، واستمرار في برنامج توطين القمح لتأمين الغذاء وتحقيق الاكتفاء الذاتي خلال ثلاث سنوات. وحمل حديث المتعافي في ذلك المؤتمرالصحفى تشخيصاً لمشاكل القطاع الزراعي ورؤية لتجاوزهذه العقبات والنهوض بالزراعة فى قطاعاتها الخمسة، ولكن يبدو أن هذا التشخيص يحتاج الى علاج بالتدخل الجراحي، وعلى الطبيب المتعافي الذي شخص الداء ان يقرر متى تكون هذه التدخلات الجراحية؟ وكيف ستكون التحوطات لتداعياتها ومضاعفات عدم الاستجابة لهذه الجراحات لاسيما قضية ايلولة خزان سنار الى ادارة مشروع الجزيرة بدلاً من وزارة الرى ، فاذا كان المتعافي يعتقد ان خزان سنار ملكاً لمزارعي الجزيرة والمناقل، كما تثبت ذلك الوثائق الرسمية والتاريخية ومن حقهم ان يديروا هذا الخزان كما منحهم قانون مشروع الجزيرة للعام 2005 حق ادارة مكون الرى عبر روابط مستخدمى المياه، فان على المتعافى ان يعلم ان هذا الحق لاتعترف به (اتفاقية عنتبي) التى وقعتها دول المنبع الخمس باستثناء السودان ومصرفى مايو من هذا العام، حيث لم تعترف تلك الاتفاقية بخزان سنار وخشم القرابة وبل وسد مروى وكل مشروعات المياه القائمة بالبلاد، وان وزارة الرى والموارد المائية هي الوزارة السيادية الوحيدة التي تدافع عن اثبات هذه الحقوق للشعب السوداني كله ولمزارعي الجزيرة والمناقل من بعد، وان وزارة الري تقود الآن معركة كبيرة تتطلب التوحد الداخلي معها من أجل اثبات حقوق أهل السودان جميعاً في استخدام مياه النيل والانتفاع بها، الأمر الذي دفع وزارة الري لتجميد نشاط مبادرة حوض النيل وتمسكها بعدم التوقيع على اية اتفاقية للتعاون بين دول الحوض لاتعترف بالحقوق التاريخية والاستخدامات القائمة للمياه ومن بينها خزان سنار الذى يطالب المتعافى بتبعيته لادارة مشروع الجزيرة كما فعلت من قبل امانة النهضة الزراعية بانتزاع قرارمن رئيس اللجنة العليا للنهضة الزراعية الاستاذ علي عثمان محمد طه - نائب رئيس الجمهورية - بايلولة ادارة الرى الى مشروع الجزيرة بدلا من وزارة الري، وايلولة مشروعات حصاد المياه الى وحدة تنفيذ السدود بدلا من وزارة الرى، لتتواصل بذلك خطوات تجريد وزارات بعينها من مهامها وصلاحياتها دون أدنى اعتبار للقضايا السيادية والاستراتيجية والتفريق بين ما هو شأن داخلي ومحلي وقومي وما هو شأن دولي واقليمي واستراتيجى.. نأمل أن لا تنشغل الوحدات والوزارات الحكومية بمن يتبع لمن، وان نسعى الى تحقيق رؤية استراتيجية قومية ترعى مصالح الجميع وتحفظ وحدة وسيادة البلاد ومصالح العباد بعيداً عن الصراعات غير المجدية والافكارالتي قد تصبح هدامة وتضر بالأمن القومي والغذائي والنسيج الاجتماعي.