في شارع المعونة أو الطيار الكدرو.. والمعونة المقصودة هي المعونة الأمريكية التي بفضلها تمت سفلتة هذا الشارع.. وأظنها المعونة الأولى والأخيرة من ماما أمريكا وكان ذلك في زمن «عبود التقدمي».. يقال والعهدة على الرواة انه عندما شدد النميرى على الرفاق.. قال احدهم للآخر.. تعرف عبود أخير من النميرى فقال رفيقه: عبود التقدمي!! وأذكر ونحن صبية كنا نرى بوستر فيه يدان متماسكتان وكتب تحتهما «الصداقة السودانية الأمريكية».. عموماً تلك أيام قد خلت لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت.. المهم في هذا الشارع.. حوانيت ومحال تجارية لفساتين الزفاف وغيرها من المناشط.. لا تمر أشهر وإلا يبدأ الهدم لواجهاتها الأرضية رغم ان أصحاب المحال بذلوا فيها ما بذلوا من تجميل بالسيراميك وغيره.. كلما تأخذ زينتها تجيء جماعة وتبدأ هدمها.. لا أعرف الحجج ربما تركيب «كيبلات» أو «مواسير» أو غير ذلك من أغراض بما يشي بأن الأمور تتم دون تخطيط حتى في بعض شوارع الأسفلت الحديث فجأة تجد انهم حفروها لتمرير ماسورة أو كيبل في ذات الشارع. أكثر من موقع تنفجر فيه الماسورة فتجيء جرارات «وأوناش» وتحفر وتصلح العطب.. ثم بعد فترة يحدث نفس الشيء وكأنها تم «تلتيقها» بما يحل المشكلة مؤقتاً وليس جذرياً.. لا أدرى ان كانت خسائر الهدم واعادة البناء يتحملها أصحاب المحال أم تتحملها الشركات لكن تكرار الأمر كأنه يعني بأننا لا نستفيد من التجارب وشغلنا ما زال «رزق اليوم باليوم».. على مستوى المؤسسات والشركات.. الأفراد.. ما أن ننجز انجازاً ونحتفى به إلا ونكتشف فجأة بأننا نسينا حاجة فنشوه ذلك الجميل.. وعلى مستوى الأفراد كثيراً ما يأتي الفرد بعمل جميل فما ان تفخر به حتى يشوهه بطريقة خرقاء.. من ذلك أذكر حكاية الشاب التي ذكرتها من قبل لأنها «غايظاني شديد».. والشاهد اننا في ذات جو شديد الحرارة.. ويوم السبت حين كان السبت أول أيام الاسبوع.. وكانت ثمة زحمة في المواصلات أصبحت مصاحبة للسبت.. وكنا في حافلة.. فأصرت امرأة كبيرة على الركوب رغم امتلاء المقاعد.. وقالت للكمساري في الحاح «بقيف على حيلى» ولكن شاباً ملتحياً..جميل الوجه.. نظيف الثياب رغم قصر جلبابه وقف للمرأة.. التي اخذت تشكره وتمتدحه.. ولما طرقع الكمساري لاستلام قيمة الرحلة.. لم تجد المرأة للتعبير عن امتنانها للشاب سوى ان تدفع له القيمة.. هنا ثار الشاب واعترض على الفعل فقالت له بطيبة الأمهات: فيها شنو ياولدي؟.. أنا ما زي أمك! فانبرى الشاب: اوعك تقولي لي زي امك.. أمي بتطلع زي الوكت دا.. وتزاحم الرجال.. فاذا بركاب الحافلة وكأنهم صبت عليهم مطرة.. أفسد الشاب فعله الجميل بموقف قبيح وشاذ وعدواني.. ولم يجد الركاب سوى الاستعاذة بالله وتصفيق الأيدى ومصمصة الشفاه.. ألم أقل لكم اننا نفسد البدايات الجميلة دائماً وكنت قد قلت من قبل: يا وطني تعبك راحة رغم الخساير الفيك يا وطني فادحة فداحة أعراسك الحلوين دايماً ختاما مناحة!