الحضور القوي الذي مازال يشكله الشهيد الصحفي محمد طه محمد أحمد في دواخل أصدقائه وقرائه ومحبيه، لا يشير مُطلقاً إلى أنّ ذكرى رحيله وصلت إلى الرابعة، فمازال جرحه نياً كما يقولون، ومازال عطاؤه يتدفق من خلال أبنائه الذين خرجهم في مدرسة الوفاق ويتسنمون أعلى المواقع في صحافة الخرطوم التي فقدت الكثير مذ غادرها خلسة في رمضان قبل أربعة أعوام. هي ذكراه الرابعة إذن، ذات الحضور الوفي الذي يزداد في كل عام، فبعد أن كان إحياء ذكراه العَطرَة يتم في السابق بمنزله في حي كوبر، أو بين أسرته في الوفاق، بَادرت أسرته في جامعة الخرطوم، تحديداً اتحاد طلابها بالتعاون مع أسرته لإحياء ذكراه في لفتة ملأى بالمضامين الإيجابية والتقدير لرجل أعطى كثيراً ولم يستبق شيئاً غير حبٍ بعد أربع سنوات من الرحيل مازال مُقيماً، وحزن مازال يُمارس هوايته غير المحببة في الاستبداد بالبعض. العديد من أصدقاء الشهيد وتلامذته ومجايليه تحدّثوا على نحو مؤثر عقب تناول الإفطار الذي أُعد أمس بمناسبة الذكرى.. واكتسب حديثهم عن الراحل قيمة إضافية من جهة علاقتهم بالراحل. صديق الراحل عادل إبراهيم حمد أشار إلى جوانب إنسانية في حياة محمد طه كانت خافية على كثيرين، وأوضح كيف أنه كان إنساناً قبل أن يكون صحفياً، وحانياً ومجاملاً وأخو إخوان بعد أن كان.. عادل، ومن واقع علاقته الخاصة بالشهيد، قال إن محمد طه كان حريصاً على تقديم الخير للناس، ولكنه كان أحرص على أن لا يعرف عنه الناس ذلك خشية أن يخالط ما يقدمه شيئاً من الرياء. وفيما شَكَرَ الأستاذ أمين بناني اتحاد طلاب جامعة الخرطوم للفتته البارعة في إحياء ذكرى طه الذي كانت حياته تطبيقاً لمبادئ الجامعة في الحرية والكفاح والقيم النبيلة، قال خالد أبو سن رئيس الاتحاد: إنّ طه رقم عصيّ التجاوز أو القفز من فوقه في تاريخ جامعة الخرطوم. اختلف المتحدثون في ذكرى طه أمس بإختلاف الخلفيات التي انطلقوا منها، إلاّ أنّ القاسم المشترك بينهم إجماعهم على أن الراحل كان صحفياً وإنساناً استثنائياً، أشار إلى ذلك اللواء الهادي بشرى وألمحت إليه الأستاذة مُنى أبو العزائم، وغيرهما كثيرون كانت كلماتهم توصل إلى حقيقة ناصعة إنّ محمّد طه إغتالته الذئاب رغم أنه لم يكن قاصياً، ومن نافلة القول هنا إنّ محمد طه إتخذ من عبارة (إنّما يأكل الذئب من الغنم القاصية) شعاراً لصحيفته «الوفاق». الأستاذ ضياء الدين بلال رئيس تحرير صحيفة «السوداني»، أحد أبرز تلامذة الشهيد محمد طه النابهين, تحدث في ذكرى الرحيل أمس إنابةً عن كل تلاميذ محمد طه فيما يبدو. وقال إنّ محمد طه كان يشعر أنّ رجلاً مثله يحمل كل تلك الأفكار والآراء ويعبر عنها بشجاعة ووضوح، لن يحتمله الجبناء. واتفق ضياء في وصف رحيل طه، مع وصف سبقه إليه الراحل نزار أيوب، بأنه اغتيال لذاكرة عقابية للمنافقين في زمن التيه والنسيان. وأشار ضياء إلى أن طه كان مدرسة تخرج على يديها الكثير ممن يقودون العمل الصحفي في البلاد اليوم..ومهما يكن من أمر، فإنّ الذكرى في الغالب تكون لمن ينسى، أما الشهيد محمد طه، فإنه شخصية عصية على النسيان، ومع ذلك، تبقى ذكرى رحيله فرصة لتدارس بعض جوانب حياته التي يتكشف منها في كل عام صفحات مُضيئات، تجعلنا نَتَرحّم سراً كما كان يعطي، فيما نقتسم مع الشاعر محمد المهدي حامد بمذاق غامض للمرارة بكائيته على قبر الشهيد.. ولا نمل النداء:- يا طالع الشجرة جيب لي معاك صحفي ينضم عن الفقراء يحمل قضاياهم لى سدة الحكام في الأزمنة الخطرة