لعل المتتبع اليوم لتطورات الدراما في جميع أرجاء الوطن العربي، يلحظ نهوض الدراما الخليجية متمثلة في طرح طبائع فكرية جديدة ومواد فنية وتقانات عالمية وديكورات مبهرة، فنشطت هذه الدراما في الفترة الماضية بشكل ملحوظ في سماء البث الفضائي العربي، وفرضت نفسها عبر القنوات المختلفة ذات الملكية الخليجية ونافست في الساحة الدرامية العربية الرحبة، حتى أن عدد المسلسلات التي عرضت خلال موسم رمضان الماضي وصل إلى (20) مسلسلاً تقف بشموخ وسط خمسين مسلسلاً مصرياً وسورياً واردنياً، فقد شبت الدراما الخليجية عن الطوق مما جعلها تنفك من إسار التحجيم المتعمد والمسيس من بعض الفضائيات لدرجة نفي الحضور الفني، ومع ذلك، فقد تجاوزتها بنجاح خصوصاً بعد أن كسر المشاهد حاجز اللهجات الخليجية وأضحى يركز على مضامين العمل الفني وما يحمله من أفكار مغايرة واشراكه في الهم العام. والآن صرنا نشهد صعوداً جديداً للرومانسية بعد موجة (البث التركي) تم فيها توظيف قصص حب جديدة لأعراق واثنيات عربية لم يتعرف عليها المواطن العربي عن قرب، لأن المجتمع الخليجي له عادات وتقاليد تتميز بالمحافظة والالتزام، ولهذا يرى بعض النقاد أن للدراما الخليجية مسارين أولهما هادف ويحتاج إلى دعم مادي وسخاء انتاجي اضافة إلى مُشاهد واعٍ لا يبحث عن هستيريا الطرح، وثانيهما نصوص درامية فقط تقول (ارقص في مسلسلاتك وأنت الرابح). هذا الكم الهائل للدراما الخليجة في السنوات الفائتة استصحب معه -بالضرورة- جملة من أمراض الدراما العربية، فبعض المسلسلات الخليجية جارت نسق المسلسلات التركية من ناحية الفقر في السيناريو والحوارات بين الشخصيات، كما يلاحظ المشاهد أن هناك نزعة (نِدّية) بينها والمسلسلات المصرية تحديداً في أنساق الكوميديا الجوفاء، والأعمال الاجتماعية المستلفة من بيئات مغايرة، لا تراعي الفروق النوعية في الأوساط المختلفة. وما يعاب على الدراما الخليجية، هو هيمنة البكائيات اليوم ومشاهد العنف الأسري، بيد أننا نتلمس بدايات جديدة للمسلسلات الرومانسية، أما الأعمال التراثية فهي مازالت تتأرجح بين المناخات البحرية، وما تبوح به أحياء وحارات الزمن الجميل. لكن الآن بدأت المسلسلات الخليجية تتجاوز القضايا المكرورة في تيار الكوميديا الركيكة المعتمدة على البطل، رغم النص المتواضع، حيث دارت معظم الأعمال الدرامية هذا العام حول قضايا الزواج ومشاكله المختلفة داخل المجتمع العربي، وبمعالجات يمكن أن نصنفها بأنها جريئة لحد ما. إذن الدراما الخليجية وفي طورها الجيني هذا من الناحية التاريخية -لأسبقية الدراما المصرية والسورية عليها- يمكن أن تصبح متألقة، إذا تخلصت من عقدة العرض الرمضاني، ووزعت عرض مسلسلاتها عبر العام في أوقات مختلفة، أضف لذلك عدم رغبة الجهات الانتاجية في تقديم وجوه جديدة من الشباب، والبعد عن عقدة (النجوم) الكبار، يمكنها بذات الوضع أن تضع قدماً راسخة في مسيرة الدراما العربية، وتتبوأ مكاناً قصياً في أفئدة متابعي الدراما في العالم العربي.